حكاية شعبية بعنوان الباب الممنوع
من بين ثنايا العصور اقتبسنا لكم أجمل السطور، حكايات شعبية نرويها وبعبق التاريخ نمليها، درر من تراث عتيد حملناها لكرام القوم قدمناها، حكاية شعبية من أجمل الحكايات الشعبية تحت عنوان الباب الممنوع!
إن حكاية الباب الممنوع تعتبر أجمل حكاية شعبية، إذ تعكس طبيعة الإنسان البشرية في حبه الدائم للخير والزيادة الدائمة منه وعدم الرضا والقناعة…
حكايــــــــــة شعبيـة بعنوان (الباب الممنوع):
الباب الممنوع حكاية شعبية جاءتنا من تراثنا العربي القديم تحمل الكثير من العبرة…
في قديم الزمان كان هناك تاجر ثري يسكن بمدينة دمشق (الفيحاء)، كان يتسم بالحكمة والثراء الفاحش وكان يعمل في تجارة الأقمشة باهظة الثمن المصنوعة من الحرير وخيوط الذهب، كان لديه ابن يدعى “إبراهيم” والذي كانت حياته هانئة لأبعد الحدود، فقد كان الابن الوحيد للتاجر ومعه شقيقتين، فكان يلاقي اهتماما بالغا من والده ووالدته، ترعرع “إبراهيم” وسط أجواء مملوءة بالملوك والأمراء والقضاء والنبلاء، فكانوا جميعهم يأتون لوالده ويشربون بجواره القهوة الساخنة فور انتقائهم لأغلى الثياب.
لاحظ والد “إبراهيم” بحكمته الطيش في تصرفات ابنه، ومهما حاول معالجة هذا الأمر إلا إنه كان يكبر مع ابنه، فقرر الوالد في نهاية أيامه عندما شعر بدنو الأجل أن يهيأ الأمر لمن بعده لكيلا يشقوا بعد رحيله، فقام بتقسيم التركة على ابنه وابنتيه وزوجته، فترك لزوجته وابنتيه ما ترك متبعا شرع الخالق سبحانه وتعالى، وترك نصيب ابنه وأوصاه العديد من الوصايا ولكن دون جدوى، فما إن رحل والده عن الحياة حتى صار يعبث بأمواله هنا وهناك وصار يبيع ممتلكاته حتى أنه فاض به الحال فباع قصره بكل ما فيه.
وبعد قليل من الشهور صار فقيرا معدما فاضطر للعمل، ونظرا لكونه عاش طوال حياته حياة الترف والبزخ من بعد والده فلم يجد مهنة تناسب ما تعود عليه آنفا، فصار حمالا يحمل المعدات والأدوات بمتجر والده الراحل بعدما فرط فيه وباعه بأبخس الأثمان، وفي يوم من الأيام بينما كان جالسا متعبا لا يقوى على تحريك جزء من جسده بسبب كثرة الأثقال التي حملها على ظهره المدلل وجد شيخا طاعنا في السن يقترب منه وكأنه يريد أن يسأله عن شيء ما.
فأجابه “إبراهيم”، وكان سؤل الشيخ أنه يريد خادما له، فأعطى “إبراهيم” عرضا لا يمكن لأحد أن يزهد فيه، وفر له سكنا خاصا ومطعما وملبسا في نظير مبلغ من المال وفير ومغري للغاية في نهاية كل شهر، سأله “إبراهيم” عن العمل الذي سيقوم به في نظير كل ذلك، فأجابه العجوز أنه لن يفعل شيئا إلا خدمة عشر من الشيوخ الطاعنين في السن الذين لا يقون على فعل أي شيء في الحياة، سر “إبراهيم” كثيرا بالعمل الجديد، فمهما كانت المهام بكل تأكيد فإنها لن تضاهي العمل حمالا بالسوق.
سار “إبراهيم” يتبع الرجل العجوز، وصارا يسيران في شوارع جانبية حتى وصلا لزقاق ضيق وفي نهايته كان هناك منزلا فارهًا يفوه منه عبير زهرة البرتقال وتعبأ المكان بأكمله، وفي منتصف المنزل بحيرة من المياه الصافية، بالمنزل هدوء وسكينة ذكره بمنزله مع والديه عندما كان صغيرا، أمسك بيده العجوز وهمس له في أذنه قائلا: “يا إبراهيم مهما رأيت من ضيق وحزن دفين بقلوبنا نحن العشرة رجال لا تسألنا عن سبب حزننا، وإن رأيت عبرة في عيوننا فلا تسألنا عن سببها أيضا، إياك والسؤال”.
فأومأ “إبراهيم” رأسه بالموافقة، وبذل قصارى جهده في توفير السعادة لهؤلاء الرجال التعساء ولكن دون جدوى، فكان أكلهم أبسط ما يكون على الرغم من كونهم أغنياء، وعندما يأكلون لا يأكلون إلا الشيء اليسير الذي يسد جوعهم وحسب، ومهما حاول “إبراهيم” جاهدا لرسم الابتسامة على وجوههم لا يستطيع، وتوالت السنون وفارق الحياة واحدا تلو الآخر حتى لم يتبق إلا العجوز الذي استأجره في البداية، وكان “إبراهيم” وفيا لهم لأبعد الحدود، وأخيرا عندما حان دور العجوز في الرحيل أخبر “إبراهيم” بأنه قد كتب له المنزل وكل ما يملكون جزاءً لما فعل لهم، شكره “إبراهيم” كثيرا على ما فعل وانتهزها فرصة وسأله عن سر تعاستهم جميعهم طيلة هذه السنوات، فلم يرد عليه الشيخ إلا بكلمة واحدة: “يا إبراهيم إياك أن تفتح هذا الباب”! وفارق الحياة.
الباب الممنوع:
حزن “إبراهيم” لفراقهم جميعا فقد باتوا حياته بأسرها، وهاهم اليوم يتركونه وحيدا، تذكر الباب وعلى الرغم من تذكر كلمات الشيخ العجوز جيدا إلا إنه قرر أن يفتح الباب، فلو عمل بوصيته لن يجد السعادة في الحياة لتفكيره الدائم في سر الباب الممنوع، ولو فتح الباب عاش تعيسا طوال حياته مثلهم، فلن يشكل الأمر بالنسبة إليه كثيرا.
عزم على فتح الباب والذي كان صعب الفتح لتركه لسنوات طويلة، وأخيرا استطاع فتحه وإذا به يجد ممرا ضيقا مظلما، سار فيه وكان كلما تقدم وجده يضيق حتى صار يزحف، وفي نهاية الممر وجد بصيصا من النور، فصار يتقدم حتى وصل إليه، وإذا به يجد شاطئ ومياه على مد البصر، كان متعبا للغاية فألقى بجسده على الرمال وإذا بنسر ضخم بضخامة حصان شاهق، حمله بين مخالبه وصر يطير به فوق المياه حتى لاحظ “إبراهيم” بقعة خضراء أسفله، فتركه النسر ليقع بها.
من شدة التعب غاص في نوم عميق لساعات، وعندما استيقظ وجد سفينة مصنوعة من خشب الأبانوس أسود اللون، ولها أشرعة في شدة البياض وأخيرا الكثير منها من الذهب الخالص، وجد مجموعة من الفتيات لم يرى في حسنهن من قبل يتقدمن إليه ويحملن ثيابا من الحرير الخالص، أخبرنه بأنه ضيفهن العزيز المكرم.
وفي السفينة قدمن له كأسا من ماء عذب لم يشرب مثله، وأشهى الأطعمة والفاكهة، وعندما وصلوا الوجهة وجد العديد من الجنود التي لا يرى أولهم من آخرهم ووجد قائدهم يتقدم إليه بالتحية، وصارا للقصر وعندما بلغ مكانه نزع الغطاء عن رأسه فإذا به فتاة ما أروعها ولم يرى في الحسن مثلها على الإطلاق، كانت الملكة وكل هذا الملك العظيم والممالك لها، وما أدهش “إبراهيم” أنه لا يوجد رجل غيره بكل هذه الممالك، قالت له الملكة: “إنك ملك على هذا الملك العظيم شريطة أن تتزوج بي، فما رأيك يا إبراهيم؟!”، فأجابها قائلا: “وهل لي إلا أن أرضى يا ملكتي”.
ومن جديد حذرته الملكة من فتح باب بالقصر، عاش في سعادة غامرة حتى جاء اليوم الذي انقاد فيه وراء فضوله وفتح الباب وإذا بالنسر يأخذه بمخالبه مجددا فسمع صوت الملكة وهي تصرخ قائلة له: “ألم تقنع يا إبراهيم بكل السعادة التي كنت تتنعم فيها؟!”
أعاده مجددا للشاطئ، فعل “إبراهيم” ما الذي فعله الرجال العشرة وأودى بهم لحالة الحزن التي كانوا يشعرون بها طيلة هذه السنوات وصار مثلهم لآخر عمره.