من قصص القرآن سورة النساء قصة السيدة العذراء الصديقة “مريم بنت عمران” خير نساء العالم وأطهرهن، السيدة العابدة الزاهدة النقية الطاهرة التقية التي عبدت الله عز وجل حق عبادته، حفظت الله وكانت من عباده المخلصين المؤمنين القانتين الساجدين وأحسنت الظن به وتوكلت عليه عندما اجتباها الله سبحانه وتعالى وجعلها أما للمسيح عيسى عليه السلام.
قصة السيدة مريم
ولادة السيدة “مريم بنت عمران”:
لقد وُلدت السيدة “مريم” من أبوين عُرفا بالصلاح والفلاح، بيوم من الأيام دعت والدتها “حنة” لئن رزقها الله بمولود ستنذره في طاعة الله وخدمته، لقد كانت امرأة تقية طائعة لله منساقة لأوامره، وعندما من الله سبحانه وتعالى عليها باستجابة دعائها؛ وجاء وقت الولادة فلما وضعت السيدة “حنة” مولودة ناجت ربها بأنها قد وضعت مولودة أنثى وليس ذكرا وكما نعلم جميعا ليس الذكر كالأنثى، وأنها قد سمتها “مريم” ودعت الأم لابنتها المولودة بأن يعذها ربها هي وذريتها من الشيطان الرجيم؛ لقد وُلدت السيدة “مريم” يتيمة الأب “عمران” وكفلها نبي الله “زكريا” وأنبتها نباتا حسنا فعمل على رعايتها وتنشئتها حتى بلغت سن التكليف، فأعد لها محرابا خاصا بها تتعبد فيه.
إن الله يرزق من يشاء بغير حساب:
كان سيدنا “زكريا” كلما دخل على السيدة “مريم” المحراب وجد عندها الخير الكثير، كان يجد الفاكهة بغير موسمها، ففاكهة الشتاء بالصيف وفاكهة الصيف بالشتاء، وعندما كان يسألها عن السبب وراء ذلك كانت تُجيبه السيدة “مريم” بأن الله يرزق من يشاء بغير حساب، وفي هذه الأثناء توجه نبي الله “زكريا” الذي وهن العظم منه واشتعل رأسه شيبا الي دعاء الله عز وجل بأن يرزقه الولد طمعا في فضل ربه وعطاءه فسبحانه يهب ما يشاء لمن يشاء بغير حساب، وبعدما ناداه “زكريا” نداءا خفيا جاءته الملائكة تبشره بإجابة الله لدعائه وتبشره بقدوم “يحيى” نبيا لله ومن الصالحين.
معجزة الله:
بيوم بشرها رسول ربها بغلام حليم، فسألت ربها كيف أن يكون لها غلام وهي لم يمسسها بشر، فأجابها الرسول بأنها إرادة الله وأن الله سيجعله للناس آية ورحمة؛ إن الله سبحانه وتعالى أراد بمعجزة سيدنا “عيسى” عليه السلام أن يميز الخبيث من الطيب، فها هي أمة الله السيدة “مريم” الصديقة العذراء التقية التي داومت على ذكر الله بالصلاة والصيام والقيام ليلها كنهارها تكون حاملا بطفل من غير أب، هذا ابتلاء للناس يصدقه المؤمنون ويكفر به الجاحدون بأمر الله وقدرته، وعندما بدأت تظهر على السيدة “مريم” علامات الحمل اعتزلت الناس حتي لا تلتفت الأنظار إليها ويتساءل الناس، وعندما جاء موعد الولادة (الوضع) خرجت إلى مكان بعيد إلى أن آلت بها اقدماها إلى جذع نخلة، وبعدما وضعت وليدها تمنت الموت من شدة الفتنة التي تدرك أنها ستلاقيها من قومها، ولكن ناداها صغيرها وطمأنها بـأن الله لن يضيعها وأتتها معجزات ربها بأن فجر من تحتها جدول ماء عذب حلو المذاق لكي تروي عطشها منه، وكذلك بمجرد أن تهز جذع النخلة تساقط عليها رطبا طيبة الطعم، قال تعالى: “فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا”.
مواجهة القوم:
وعندما أتت به إلى قومها تحمله بين يديها، توجهت لها كل الاتهامات ولم يكن من أمرها إلا أن أشارت إليه بإصبعها، فاستنكر عليها القوم فعلتها كيف لهم أن يجيبهم طفل مولود عن تساؤلاتهم ويوضحها لهم، فكان النصر من قبل الله عز وجل، فنطق الطفل قائلا: “قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا”.
حياة السيدة العذراء “مريم” بعد ولادتها لنبي الله “عيسى” عليه السلام:
لقد رحلت عن قومها وعاشت دهرا طويلا في الجبل مع صغيرها يتعبدان خالقهما الواحد الأحد قائمين ساجدين صائمين إلى أن وافتها المنية، وبعدها أتمم نبي الله “عيسى” عليه السلام رسالته ، قال تعالي : ” وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۗ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ”.