إن فريضة الحج تمثل الركن الخامس من الأركان الإسلامية، ولكنها فريضة اختصت بالمسلم العاقل البالغ القادر إذ قال من صدق قوله:” وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ”، إن كل مسلم يتوق إلى زيارة بيت ربه، ومناجاته، وطلب العفو منه والغفران؛ اللهم ارزقنا بزيارة بيتك الحرام رأفةً بحالنا وبما نواجهه من صعوبات في الحياة فعسى بدعوة مجابة لا نضل بعدها أبدا.
قصة مؤثرة
كان هناك رجلا معروف بالإيمان الماثل بقلبه، كان يعمل معالج فيزيائي بإحدى المستشفيات الخاصة، كان يتوق لزيارة البيت الحرام، قضى ثلاثين سنة من عمره حتى استطاع أن يوفر تكاليف الذهاب إلى الأرض المقدسة، وبينما وهو يستلم راتبه الشهري من قسم المحاسبة بالمستشفى قابل والدة أحد مرضاه، فسلم عليها وسألها عن حال ابنها، ولكنها فاجأته بأنها جاءت اليوم لإخراجه من المستشفى حيث أنه بعد فقدان والده لوظيفته لن يستطيعا تحمل تكاليف العلاج الباهظة؛ وقف الرجل في حيرة من أمره، فهو بين نارين حال الوالدة الذي قطع قلبه وحال اشتياقه لبيت ربه، وفي الأخير نظر إلى السماء مخاطبا ربه :” يا ربي إنك الأعلم بحالي، فكم من أيام طوال انقضت وأنا أجاهد أملا في بلوغي إلى فرصة لأحج واعتمر، ولكن هذه السيدة المسكينة وابنها المريض أحق مني بالمال”، فدفع المال إلى المختصين بالمستشفى وطلب منهم ألا يعلم أحد بما فعل حتى والدة مريضه، وقد كان المال يكفي العلاج ولمدة ستة أشهر مقبلة؛ وعندما استقر بمنزله بعد عمله، خلد إلى النوم ليستريح، وأول ما وضع رأسه فاضت عينيه بالدموع الغزيرة تحسرا على فقدان أمله المرتجى، فجاءته رؤيا بمنامه إذ رأى أهل السماء يهنئونه بالحج، فاستيقظ فرحا إذ بشره رب العباد برضاه عنه وعن ما فعله، ولكن الله هو الكريم، جاءت الرجل مكالمة تليفونية يبلغه فيها مديره بالمستشفى بأن الطبيب الخاص برب عملهم وولي نعمتهم اعتذر عن عدم قدرته على الذهاب مع رب العمل إلى الحج بسبب زوجته الحامل التي قرب ميعاد وضعها، وأن مديره رشحه للذهاب بدلا عن الطبيب، وأنه يجب عليه أن ينجز في إتمام جميع استعداداته لأن الوقت قد أزف؛ فرح الرجل فرحا شديدا وحمد الله العليم بأحوال عباده، والمدبر لهم أمورهم أحسن تدبير؛ وأتم الله على عبده نعمته إذ ألقى بقلب رب العمل محبة الرجل، فجعله يحب مجالسته والحديث معه، وذات يوم أخبر الرجل رب عمله بقصة الوالدة العاجزة عن معالجة ابنها، وعن أبيه الذي فقد عمله؛ فقرر رب العمل أن يخصص قسما خاصا بالمستشفى لمساعدة المحتاجين، وأنه سيوظف والد الابن بإحدى شركاته، وبنهاية رحلة الحج أمر رب العمل بصرف مكافئة مجزية للرجل اعترافا بتأدية واجباته بكل إخلاص، كما عرض عليه أن يصبح مستشاره الخاص بكل شئون عمله إذ عبر له عن مدى احتياجه لشخصية مثله، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!