الغالبية العظمى منا يرى أن أجمل قصة حب في التاريخ كانت هي قصة روميو وجولييت، وقصة قيس وليلى، أو حتى قصة عنتر بن شداد وعبلة على الرغم من أن هؤلاء العاشقين لم ينالوا ثمرة حبهم؛ ولكن الحقيقة هي أن قصة حب رسولنا الكريم والسيدة خديجة أم المؤمنين هي أعظم وأجمل وأرقى قصة حب عرفها التاريخ.
إن قصة حب الرسول والسيدة خديجة هي قصة يملأها العفاف والطهر، هي قصة يملأها النور والهداية، يملأها النقاء والصفاء.
قصـــــــة حب رسول الله والسيدة خديجة
إن السيرة النبوية زاخرة ومليئة بالمواقف التي تدل على حب رسولنا الكريم لجميع زوجاته بصفة عامة، ولزوجته السيدة خديجة بصفة خاصة، فقد حدث صل الله عليه وسلم بفضله عليه، وقال بأنها كانت أول من آمن وصدق به، وأول من آزره في أحلك الصعاب وأشد الصعاب، وكان أول من أعانه في تبليغ رسالته التي جاء بها ودعوته إلى سيبل الحق المبين؛ شاركته رضي الله عنها وأرضاها آلامه وآماله، وواسته بنفسها ومالها.
طمأنته السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضها في بداية نزول الوحي قائلة: “كلا، والله ما يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق”.
ذكرها بالخير بعد وفاتها:
قد يفارق الرجل زوجه إما بطلاق وتظل على قيد الحياة منفصلة عنه، وإما بموت وحينها تفارق الحياة بأكملها؛ ومع زواجه بامرأة أخرى غير زوج قد ينسى كل الفضل الذي قدمته الزوجة الأولى، وأحيانا كثيرة يمتدح زوجه الثانية رغبة في إرضائها وإلقاء الاستحسان عندها.
ولكن رسول الله صل الله عليه وسلم كان مثالا يحتذى به في رد الجميل لأهله وفي الوفاء والإخلاص، فقد كان رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم يعامل السيدة خديجة في حياتها بغاية الإحسان والتقدير والإكرام، وبعد وفاتها ظل يذكرها ويذكر فضائلها، ومن كثرة ذكرها غارت منها السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها على الرغم من أنها كانت متوفية، وفي رواية لأحمد أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بالخير).
إكرام صديقات خديجة وجيرانها:
كان رسول الله صل الله عليه وسلم يكرم صديقات خديجة رضي الله عنها وأرضاها بعد وفاتها، وقد روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: (وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن)، والخلائل جاءت هنا بمعنى الصديقات، وقد رواه البخاري.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال: (كان النبي صل الله عليه وسلم إذا أتى بالشيء يقول اذهبوا به لفلانة، فإنها كانت صديقة خديجة، ، اذهبوا به لبيت فلانة، فإنها كانت تحب خديجة) رواه الحاكم.
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: (جاءت عجوز إلى النبي صل الله عليه وسلم وهو عندي، فقال لها رسول الله صل الله عليه وسلم: “من أنتِ؟”، فقالت: “أنا جثامة المزنية”، فقال: “بل أنتِ حسانة المزنية، كيف أنتم؟، كيف حالكم؟، كيف كنتم بعدنا؟
قالت: “بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فمل خرجت قلت: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز كل هذا الإقبال؟!
فقال صل الله عليه وسلم: “إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان).
وحسن العهد المراد بها الوفاء والحفظ للعهود القديمة.
موقف رسول الله صل الله عليه وسلم مع حولة صاحبة خديجة:
إذا بالناس جلوس، وإذا بالنبي صل الله عليه وسلم فجأة يقف أمام الناس جميعا ويطلب منهم السكوت، وإذا بامرأة عجوز تسير تجاه النبي وكانت تتوكأ على عصاها تكاد أن تسقط أرضاً.
فخلع رسول اله صل الله عليه وسلم رداءه ووضعه على الأرض بيديه الشريفتين، وأجلس العجوز عليه وجلس بجوارها.
كانت السيدة عائشة هي من ترقب وتشاهد الموقف بأكمله من بعيد، وهي أيضا من حدثت عنه رضي الله عنها وأرضاها؛ جلس رسول الله صل الله عليه وسلم مع المرأة العجوز بيوم فتح مكة، وكان صل الله عليه وسلم أثناء الحديث معها يضحك مرة ويبكي مرة.
وعندما عاد للسيدة عائشة زوجه رضي الله عنها وأرضاها، سألته قائلة: “يا رسول الله من المرأة التي جلست معها وأخذت عقلك؟
يا رسول الله من هذه المرأة التي أدهشتك يا رسول الله؟”
فقال رسول الله صل الله عليه وصحبه وسلم: “يا عائشة إنها الحولة، وهي صاحبة خديجة”.
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها: “يا رسول الله لقد رأيتك تبكي معها مرة وتضحك معها مرة”.
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: “كانت كلما ذكرت لي موقفا يضحك مع خديجة ضحكت، وكلما ذكرتني بوفاة خديجة بكيت”.
حينها غارت السيدة عائشة أم المؤمنين وقالت: “يا رسول الله بكل يوم خديجة خديجة، وكأن الله لم يخلق لك إلا خديجة”.
ثم قالت السيدة عائشة: “يا رسول الله لقد أبدلك الله خيرا منها”، وأشارت إلى نفسها.
فنظر إليها رسول الله صل الله عليه وسلم وقال: “لا يا عائشة، والله ما أبدلني الله خيراً من خديجة، يا عائشة لقد آمنت بي يوم أن كفر بي الناس، ولقد أعطتني من مالها حينما حرمني الناس، ولقد آوتني حينما طردني الناس”.
فندمت السيدة عائشة رضوان الله عليها فقالت: “يا رسول الله استغفر لي”.
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: “يا عائشة والله لا أستغفر لكِ حتى تستغفرين لخديجة”.
الدعاء لها بعد موتها:
تجسدت صور حب الرسول صل الله عليه وسلم ووفائه لسيدة خديجة رضوان الله عليها، أنه كان صل الله عليه وسلم يدعو ويستغفر لها بعد موتها، وبذلك نستنتج من رسولنا الكريم أن الدعاء والاستغفار للميت من خير ما يهدى إليه، وهو أسمى دليل على المحبة والوفاء.
وقيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان (إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها واستغفار لها) رواه الطبراني.
عقد السيدة خديجة رضوان الله عليها:
ومن أسمى صور حبه ووفائه صل الله عليه وسلم للسيدة خديجة موقفه مع عقد كانت رضوان الله عليه قد أهدته لابنتها “زينب” عند زواجها.
كان ذلك الموقف بعد انتهاء غزوة بدر، وقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها الموقف بأكمله: (لما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم بعثت زينب في فداء أبي العاص “زوجها الذي لم يكن أسلم بعد”، بمالٍ وبعثت فيه بقلادةٍ لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص؛ فمل رآها رسول الله صل الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: “إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها” رواه الحاكم وأبو داوود.
ورغم كثرة مشاغله صل الله عليه وسلم ومرور السنوات الطوال إلا أنه لم ينسى عقد خديجة الذي أهدته لابنتها في زواجها، ورق لما رآه.
تزوج الرسول صل الله عليه وسلم بالسيدة خديجة وكانت له نعم اليد الحانية عليه، تحملت معه الشدائد والصعاب، وقفت بجانبه وساندته بمالها ونفسها، وأنجبت له الولد، وعندما توفيت كان عمر النبي صل الله عليه وسلم خمسون عاما، ولم يتزوج عليها بامرأة أخرى طوال فترة زواجه بها والتي كانت في عمر شبابه على الرغم من أنه كان شائع ند العرب تعدد الزوجات، وهذه من ضمن الخصائص والصفات التي اختصت بها السيدة خديجة رضوان الله عليها دوناً عن بقية نساء النبي.
لقد كان النبي صل الله عليه وسلم دائم الذكر للسيدة خديجة بعد وفاتها، وكان دائم الثناء عليها والإشادة بفضائلها، وكان يقول عنها: “إني رزقت حبها” رواه مسلم، صلوات الله وتسليماته عليه.
اقرأ أيضا عزيزنا القارئ:
قصص حب سورية واقعية بعنوان الطبيب والصغيرة!
قصص حب ليبية حزينة بعنوان “فتاة ضحية أهوال الحياة”
قصص حب غرامية واقعية بعنوان الحب الصادق لا يموت