الملك والرجال الثلاثة
ثلاثة من بني إسرائيل لعلهم كانوا يسكنون مدينة واحدة، أصاب الله كل واحد منهم بأفة ومرض في جسده، الأول أصابه برص، وهو مرض يظهر بياضا على جلد الإنسان، والثاني أقرع سقط شعر رأسه والثالث أعمى لا يرى شيئا، وقد ابتلاهم الله بهذه الأمراض وأرسل لهم ملكة، فجاء الملك إلى الأبرص وقد ساءت حاله وملت نفسه، وهزل جسده، وانفرد جالسة وحده ليس له صاحب يوده إلا الأقرع والأعمى، تلطف الملك في الحديث معه، وجلس أمامه، وقال له: أي شيء أحب إليك؟ صمت الأبرص قليلا ثم قال: أحب أن يكون لون جسدي حسن جميلا فيزول البرص عن جلدي، وقد يئست من نفور الناس مني لمرضي، فلو كان لون جلدي عاديا جميلا لما نفر مني الناس كما ينفرون من القاذورات. وكانت المفاجأة عندما مسح الملك على جلده، فزال عنه البرص وأصبح جلده عادية حسنة، وزالت عنه الأم المرض، واستردت نفسه الأمل والعافية .
فرح الرجل فرح كثيرا وكأنه اكتفى بهذه النعمة العظيمة التي من الله بها عليه، ولكن الملك أضاف إلى سعادته سعادة أخرى وإلى فرحه فرحا أخر وقال له: أي المال أحب إليك؟ قال الإبل، فأعطاه الملك ناقة شراء وتوشك أن تلد صغيرها، ثم دعا الملك له وقال: يبارك الله لك فيها، أخذ الرجل الأبرص الناقة بعد أن شفاه الله من مرضه، فولدت الناقة وليدها كبر وتوالدت حتی أصبح له قطيع هائل من الإبل والنوق كان يشار إليه بالبنان لغناه وكثرة أمواله من الإبل، وأصبح يتمتع كثيرة بنعمة الله عز وجل.
أما الملك فقد أتى الأقرع بعد أن فرغ لتوه من الأبرص، فوجده مهموما من شكله وقراع رأسه وما يجلبه عليه من آلام في الرأس والأم نفسية، حيث ينظر له الناس على أنه أقرع غير مقبول لديهم، وفيما هو على هذه الحال جلس الملك أمامه وهش له وقال: أي شيء أحب إليك؟ فكر الأقرع قليلا ثم قال: لا شيء أحب إلي من شعر حسن طويل يذهب عني القراء، ويجعلني محبوبا بين الناس وقد تركوني وانفضوا من حولي لسوء منظري وقبح شكلي، وعلى الفور مد الملك يده ومسح على رأسه فذهب عنه القراع واستطال شعره، وأصبح جميلا حسنا مقبولا من الناس، وفرح فرحا شديدا، وكأنه اكتفى بتحقيق هذا الحلم الذي طالما حلم به كثيرة، ولكن الملك ريت على كتفه وقال له: أي المال أحب إليك ؟ فقال الرجل الذي كان أقرعا ومن الله عليه بالشفاء: أحب البقرفأعطاه الملك بقرة حاملا، وقال له: يبارك لك فيها (أي أن الله يضع البركة فيها).
وكانت الدعوة مستجابة، فقد بارك الله له فيها فولدت وتوالدت على مر الزمان حتى صارت قطيعا هائلا يملأ الآفاق غبارا حين يمشي للرعي، وأصبح الرجل من أغنياء قومه، فنال نعمة الصحة، وأزال الله عنه المرض، وأنعم عليه بالمال والخير الوفير.
ومضى الملك إلى صاحبهم الثالث وهو الأعمى، فوجده جالسا مطرقة. الناس يتحدثون عن جمال الطبيعة وزرفة السماء، وهو لا يرى إلا ظلام، والناس يمشون في الطرقات آمنين، أما هو فإن لم يجد من يسحبه في الطريق، فمصيره التعثر والسقوط والآلام، فقال له الملك: أي شيء أحب إليك ؟ فقال الأعمى: يرد الله إلي بصري، فأبصر طريقي والناس، وكان الرجل حزينا وهو يتكلم وكأن ما يتمناه مستحيلا.
ولكن الملك بفضل الله مسح على وجهه، فرد الله إليه بصره، وأبصر الرجل الملك أمامه والناس من حوله، وكان الرجل يطير من الفرح، وظل للحظات يتأمل هنا وهناك لا يصدق أنه يرى الأشياء جميعها، ويستمتع بجمالها، وهم أن يشكر الملك ولكن الملك عاجله بالسؤال قائلا: أي المال أحب إليك و قال الرجل على الفور: الغنم، أحب مالي أن يكون غنمة، فأعطاه الملك شاة والدة قد وضعت وليدها صغيرا جميلا يرضع ويرتع حولها، وانصرف الملك وتمتع الرجل ببصره وكثرت أغنامه حتى أصبحت قطيعا كبيرا لا يرى الناظر أخره، وأصبح من أغنياء قومه لكثرة ما عنده من غنم يبتاع بها ما يشاء. أصبح الثلاثة أثرياء، وأصحاء، وكلما مضى الزمن زادت أموالهم وكثر متاعهم، وتمتعوا بصحتهم، فنسي الأقرع قراعه، ونسي الأبرص برصة، وكذلك الأعمى.
وفي غمرة النسيان والتمتع بهذه الأموال، عاد إليهم الملك زائرة، ولكنه جاء إلى الأبرص، على شكل رجل أبرص وهي هيئته قبل أن يشقيه الله ويعطيه، وقال له: أنا رجل مسکین، کنت مسافرة وفقدت راحلتي، فأسلك بالله الذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن أن تعطيني بعيرا أكمل به سفري … فقال له الرجل: إن على حقوق كثيرة وانصرف عنه لا يريد إعطاءه، فقال الملك بذكره ألم تكن أبرص ينفر منك الناس، وكنت فقيرة فاعطاك الله … فأنكر الرجل وقال: لم أكن كذلك وهذا المال ورثته عن آبائي وأجدادي، فدعا عليه الملك إن كان كاذبة أعاده الله إلى حالة الأولى فقيرا أبرصا وجاء الملك إلى الأقرع فطلب منه مالا كما طلب من صاحبة الأبرص فجاء رده ناكرا للنعمة، نعمة المال والصحة، فدعا عليه الملك فعاد كما كان فقيرة أقرعة.
ومضى الملك إلى الأعمى، وكان رجلا صالحة صافية حسن النية وقال له: رجل مسكين وابن سبيل، أسألك بالذي رد عليك بصرك أن تعطيني شاة من مالك هذا، فقال الأعمى: قد كنت أعمى فرد الله علي بصري، وفقيرا فأغنائي، ولم يكذب على الملك، وقال له: خذ ما شئت من الأغنام… فبشره الملك بان الله ابتلاه وصاحبيه الأقرع والأبرص، وقد وفقه الله لشكر النعمة، لذلك نال رضي الله عز وجل، وقال له الملك: أمسك مالك، فإنما أبتليتم فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك.