إن كنت تقرأ هذه السطور فهذا معناه أننا جميعًا أموات ، كل أسرتي الآن بين يدي الخالق ، أرجوك أن تدعوا لي ولهم ، أدعوا لنا أن يغفر الله لنا ما اقترفناه من ذنب عظيم ، أكتب هذه السطور وأنا أعلم أن أيامنا في الحياة معدودة وأن لا سبيل للنجاة ، بدأت اللعنة ولن تنتهي إلا بموتنا جميعا …..
اليوم هو السادس والعشرون من أغسطس 1994 ، مر شهر كامل على حالتنا التي نعلم جميعًا أنها لن تنتهي ، لن تنتهي حتى ننتهي نحن … قبل عام واحد جاء أحد الضيوف الغرباء إلى جدي ، كانت المرة الأولى التي أراه فيها ، وكان يبدو مريبًا بالنسبة لي ، كان هناك أمرًا ما بداخلي يخبرني أن لا خير سيأتي من هذا الرجل ، لكن ليس بيدي حيلة لقد حاولت ولم أستطع فعل أي شئ .
انتقام حارس المقبرة
دعني أولًا أشرح لك وضع منزلنا ، نحن أسرة كبيرة تعيش في منزل واحد كبير في محافظة المنيا في صعيد مصر ، بالطبع تعرف هذا فبالتأكيد أنت هنا الآن ، جدي هو كبير الأسرة له من الأبناء 3 ذكور و ابنة واحدة ، توفيت هذه الابنة أثناء ولادة ابنتها – أنا – وقرر جدي أن يربيني ويترك لأبي حرية الزواج مرة أخرى ، أما الذكور الثلاثة فكلًا منهم متزوج ولديه من الأبناء ونعيش جميعنا سويًا.
أحبني جدي كثيرًا لا أشك في ذلك ، فقد سمح لي دونًا عن بنات الأسرة أن أكمل تعليمي الثانوي وألتحق بالجامعة ، أنا الآن في العام الثالث من دراستي الجامعية ، أقضي عامي كله لدى والدي في القاهرة وحين تأتي العطلة أعود إلى منزل جدي حيث الحب والدفء والذكريات الجميلة التي عشتها كطفلة مدللة .
محافظة المنيا من المحافظات التي تمتلئ بالآثار ، ومن المعروف أن أغلب منازل المدينة يوجد أسفلها مقابر فرعونية ، وهذا بالتحديد ما أكد عليه الزائر الغريب الذي أتي إلى جدي ، حيث عرض عليه عدد من الخرائط والأوراق والبرديات التي تؤكد أن أسفل منزلنا هناك مقبرة فرعونية مليئة بالذهب والكنوز التي ستجعل منا أثرياء ، حاولت أن أقنع جدي عن العدول عن قراره فنحن لا نحتاج إلى شئ ، ولدينا كل ما نريد ، ولكن كان لأشقاء أمي رأي أخر ، فقد كان كل همهم هو المال ، فقط المال ….
أشترط الزائر الغريب على جدي أن يحضر هو العاملين والأدوات مقابل 50% مما سيتم استخراجه من هذه المقبرة العامرة بالكنوز ، أقتنع جدي بالأمر ، وبدأ التحضير بسرية شديدة ، فالأدوات تأتي إلى المنزل ليلًا ، كل أسبوع تأتي دفعة جديدة من الأدوات ، ويتم تخزينها في غرفة أسفل سلم المنزل ، تم وضع قضبان حديدية على الأبواب والنوافذ ، وحتى الباب المؤدي إلى سطح المنزل تم غلقة بالقضبان الحديدية …
استمرت التحضيرات لشهور ، وتم تحديد الأول من شهر أغسطس لهذا العام لبدء الحفر والتنقيب ، لم أكن أشعر أنني بخير ، كان الأمر أشبه بحجر ثقيل لا يتزحزح فوق قلبي ، بدأت الكوابيس تزورني كل ليلة ، كنت أصحو فزعة أصرخ من شدة خوفي مما أرى ، لدرجة أن خالي الأكبر أتهمني أنني أفعل ذلك لكي أخيف كل من بالمنزل متعمدة ، حاولت أن أتناول المهدئات لكي لا أصحو كل ليلة بهذه الطريقة لكن الأمر أصبح أكثر تعقيدًا ، فكل الأطفال بالمنزل يؤكدون أنهم يسمعون أحدًا ما يتحدث لكنهم لا يفهمون ما يقول ، تجاهل الجميع كل هذا وبدأ الحفر بالفعل ….
في اليوم الأول من العمل أتى الكثير من الناس ليلًا ليستقر بعضهم مع الأدوات في الغرفة أسفل السلم والباقين في غرفة أخرى من المنزل ، علمت فيما بعد أن أحد الرجال هو “شيخ ” أو يمكن أن نقول أنه دجال ، وظيفته أن يفك الرصد الموجود بالمقبرة وأن يجبر حارس المقبرة على ترك المقبرة بسلام .
في نفس اليوم بدأ الحفر ، بعد مرور 3 ساعات على بدأ الحفر فزع الجميع لصوت صراخ أحد العاملين وهو يمسك قلبه ويتألم ، أسرعنا متوجهين إليه ولكن للأسف لم نستطع فعل أي شئ ، فقد مات أمام أعيننا جميعًا ولا ندري كيف يمكن أن يحدث هذا ، أو ماذا نفعل ، تم نقله إلى المستشفى القريب منا وهناك أكدوا أن قلبه توقف بالفعل وأن لا أمل له …
كانت تلك إشارة ، كان لابد أن ينتبهوا لها ، أن يتوقفوا عن الحفر ، ألا يستمروا ، ولكنهم جميعًا تجاهلوا الأمر ، حتى العاملين في نفس المكان لم يتنظروا عودتنا من المستشفى واستكملوا العمل بشكل طبيعي ، مر اليوم ، ويومان من بعده ، في اليوم الثالث بدأت البوابة تظهر أمامنا ، هناك بالفعل مدخل يبدو غريب للغاية ، كنت أشعر بالخوف بمجرد مروري من منطقة الحفر ، كنت أخشى أن أطيل النظر ، كان هناك خوف غريب يسيطر علي ، أصبح نومي أسوء بكثير ، معاناة حقيقية فأنا لا أنام بشكل منتظم ، ولا أشعر أنني بخير .
مرة أخرى سمعنا صراخ ولكن هذه المرة لم تكن صرخة ألم ، لقد كانت صرخة فزع ، كان العامل الأول الذي وقع مغشيًا عليه وحين وضعوا الماء على وجهه لكي يفيق بدأ يصرخ ، ولم ينتظر ثانية واحدة في المنزل ، حتى أنه لم يغير ثيابه ، انطلق يجري إلى الخارج وهو ينتفض ، قبض قلبي أكثر ولكن لا يمكنني أن أفعل شئ ، فأشقاء أمي حول جدي يشغلونه عني وعن التحدث إلي خوفًا من أن أغير رأيه فيما يحدث …
بدأ اليوم الخامس ، وانتهى الحفر ، وحان الآن موعد عمل الشيخ الدجال ، حان الآن موعد فك الرصد ،طلب الشيخ من الجميع أن ينتظروا لكي يقوم بعمله ومن ثم يجربوا الدخول ، لأن أي محاولة غير محسوبة للدخول قد تكلف الشخص حياته ، بدأ بوضع بعض الأشياء الغريبة من بقايا الحيوانات والجلود والأظافر والعظام حوله ، ومن ثم قام برش الماء من زجاجة غريبة ، رائحة الماء بشعة لدرجة أن بعض المتواجدين توجهوا على الفور إلى المرحاض بسبب شعورهم بالغثيان الشديد من الرائحة .
بدأ يردد كلمات غريبة وبدأت أشعر أن الأمر لا يمكن أن يكون جيدًا أبدًا ، بدأت أتأكد حينها أننا سنهلك جميعًا ، كنا نرى الطريق الي باب المقبرة من الخارج ، يفكر الجميع في الذهب الذي أذهب عقول الجميع وجعلهم لا يفكرون لثانية واحدة في أي عواقب يمكن أن تحدث ، مرت الدقائق كالأعوام بدأ الشيخ ينزل إلى الأسفل ويردد كلماته الغريبة حتى انفتح أمامه الباب فجأة فشهق الجميع إلا أنا شعرت أن الكارثة بدأت ….
دخل الشيخ إلى الداخل وفور أن أدار ظهره حتى أغلق الباب مسببًا هزة في المنزل ، شعر الجميع بالخوف ، قرر العمال أن يخرجوا من المنزل جريًا ، وكان هذا أذكى ما حدث في هذا اليوم ، فقد أنقذوا أنفسهم من الهلاك المؤكد ، حاول رجال المنزل فتح باب المدخل لكنهم لم يستطيعوا ، لم يتمكنوا حتى من زحزحته قليلًا ، صعدوا من جديد وقال خالي الثاني أنه سيذهب إلى القرية المجاورة لإحضار شيخا أخر معروف عنه تمكنه من هذه المهمات ، وهنا اكتشفنا الكارثة …
جميع الأبواب لا تفتح ، تحولت القضبان الحديدية إلى صفائح كاملة وسميكة تسد الباب وتمنع أي شخص من الخروج ،حتى الباب المؤدي إلى السطح تحول إلى كتلة من الحديد لا يمكن فتحه ولا يمكننا كسره ، القضبان التي تم وضعها على النوافذ أصبحت ضيقة للغاية ، بالكاد تدخل الهواء وكأن أعدادها تضاعفت ، ولكن متى وكيف لا أحد يعلم .
علمت أنها اللعنة التي كنا نضحك عليها ونسخر منها ، إنها لعنة الفراعنة لقد أصابت منزلنا ولن يخرج منا شخص سليم ، حالة من الإنهيار والبكاء سيطرت على المنزل ، حتى الرجال لم يستطيعوا السيطرة على أنفسهم بعد أن تأكدوا أننا جميعًا أسرى في سجن لا نعلم كيف سنخرج منه !!
حاولنا أن نتواصل مع الخارج ، أن نتصل بالشرطة ، بأحد الجيران ، بأي شخص قد يساعدنا ، لكن لا فائدة فكافة أجهزة الهواتف في المنزل تحولت إلى قطع من الحديد التي لا يمكن أن تفعل أي شئ .
أسبوع كامل مر في محاولات بائسة ، لا يمكننا الخروج ولا يمكن لأحد أن يدخل إلينا ، لا نتواصل مع أحد ولا أحد يمكنه أن يتواصل معنا ، حتى الشرطة أتت إلى المنزل ولم تستطع اقتحامه ، كنا نسمع كل شئ من الخارج ولكن لم يكن أحدًا يسمعنا وكأن هناك عوازل للصوت .. ما ساعدنا على الاستمرار هذه الفترة هو الطعام الذي طلب الرجل الغريب أن نخزنه بالمنزل قبل البدء في الحفر والتنقيب ..
بدأ الإعياء يصيب الجميع وخاصة جدي الذي كان يبدو أنه على وشك الموت ، هنا اقترح الرجل أن يتم تقديم قربان بشري ، طفل صغير يتم ذبحه وتقديمه لحارس المقبرة لكي يرحل ويحررنا ، وافق الجميع وهو ما صدمني بشدة ، تم اختيار أصغر طفل بالمنزل ، كدت أصل إلى الجنون ، بدأت أصرخ في وجوههم جميعًا ، بدأت أسبهم وألعنهم وأسب طمعهم وحبهم للمال ، اختطفت الطفل من بين يدي والده الذي لم يكن ممانعًا للفكرة ، احتضنت الطفل وبدأت اصرخ فيهم أن ما سيحدث جريمة ولن يسامحوا أنفسهم عليها أبدًا ..
اعتقدت أنهم فهموا الأمر وابتعدوا وحين هدأت اختطفوا الطفل من يدي وقاموا بتقييدي وذبحوا الصغير دون رحمة ، وضعوا الجثة مفصولة الرأس على المدخل ، كنت أشاهد الأمر وكأنه عرض سينمائي ، لا يمكن أبدًا أن يكون ما يحدث حقيقي ، وقعت مغشيًا علي من هول ما رأيت ..
استيقظت في صباح اليوم التالي على صراخ زوجة خالي توجهت مسرعة إلى مصدر الصوت فوجدت والدة الطفل المذبوح قتلت نفسها ، قتلت نفسها ألمًا وندمًا ، فصغيرها ذبح ونحن مازلنا أسرى ولم يحدث أي جديد ، صار الموت يخيم على المنزل ، بدأت الطيور أعلى سطح المنزل تتحلل وتبعث رائحة بشعة ، وبدأت جثة الطفل ووالدته تفوح روائح رهيبة ، فتقرر الحفر من جديد لدفنهم سويًا .. لم يكد اليوم ينتهي حتى قتل خالي الرجل الذي اقترح ذبح الطفل وأدى إلى انتحار زوجته.
مرت الأيام بطيئة ، الطعام يتناقص ، المحاولات تقل ، الإحباط واليأس يسيطر على الجميع ، توفي جدي ولم نستطع البكاء عليه فقد سالت دموعنا بما يكفي ، بدأ الأطفال يصابوا بنوبات من الصرع الغير مبرر ، توفي طفلان في يوم واحد ، وبدأ العدد يتناقص يومًا بعد يوم ..
اليوم 26 أغسطس 1994 أشعر أن النهاية بالنسبة لي قريبة للغاية ، أشعر أنني لم أعد أحتمل المزيد ، فكرت خلال الأيام الماضية في الانتحار أكثر من مئة مرة ، أقضي ليلي أصلي كي لا أستمع إلى أصوات كل الذين رحلوا منذ بداية الشهر ، أقضي ليلي أصلي وأتوسل إلى الله أن يخرجنا من هذه الكربة حتى ولو كان الموت هو المخرج .. صار العدد في المنزل قليل للغاية ولم أعد أحتمل أصوات من رحلوا ..
لن أرتكب جريمة أخرى في حق نفسي ، لن أنتحر ، سأنتظر أن يأتي الفرج من الله .. سأنتظر أن يأتي الموت …..
* هذه الكلمات وجدت في أحد منازل المنيا بعد أن تم بيعه بمبلغ زهيد بعد 25 عام من رفض الناس بيع أو شراء المنزل لأنه كما تحكي القصص القديمة التي لا يصدقها أحد ” مسكون ” فقد أكد الكثيرين أنهم يسمعون أصوات لصراخ وبكاء لنساء ورجال وأطفال تأتي من هذا المنزل ، وأيضًا كثيرًا ما تهب روائح لا تحتمل من داخله ، كما يقول البعض أن الأسرة التي كانت تسكن في هذا المنزل اختفت تمامًا دون أي إنذار أو أي أخبار عنها ، ويقول البعض أن السبب في اختفاءهم أنهم وجدوا مقبرة فرعونية فباعوها وسافروا إلى الخارج للاستمتاع بالمال ، أما البعض فينفي وجود أسرة من الأصل ، وقلة قليلة تؤكد أن الأسرة حبست حتى الموت داخل جدران المنزل لأنهم حاولوا فتح مقبرة فرعونية أسفل المنزل … لا أحد يعلم الحقيقة …