قصة أول وآخر رجل طار في الهواء بقلم : فاروق حسان
نقدم لكم اليوم في هذا المقال من خلال موقع قصص واقعية قصة عباس ابن فرناس وهو أول وآخر رجل طار في الهواء ، استمتعوا الآن بقراءتها وللمزيد يمكنكم زيارة قسم : قصص قصيرة .
أول وآخر رجل طار في الهواء
في الاندلس وفي القرن الثالث الهجري عاش عباس بن فرناس وفي طفولته لفت نظره تلك الطيور التي تطير وترتفع عالياً في السماء وكثيراً ما كان يخرج الي الخلاء ويراقب العصافير واليمام وباقي الطيور وهي تحلق سعيدة، ثم تحط برشاقة فوق الأشجار وحول جداول الماء، وكثيرا ما كان عباس يسأل نفسه كيف تطير تلك الطيور؟ وكم من ليال قضاها وهو يبحث عن إجابة لذلك السؤال، ولما تعب من التفكير سأل والده : لماذا لا تسقط الطيور في أثناء طيرانها يا أبي؟ وأجابه والده وهو يبتسم. : لأن الله سبحانه وتعالى خلق لها أجنحة تطير .
ومرت السنون، وعباس لا يمل من التفكير في الطيور وتحليقها حرة طليقة في الهواء إلى حد أنه كان يقضي معظم وقته وهو يراقبها وهي تضرب الهواء بأجنحتها لفترة ثم تتوقف الأجنحة عن الحركة، ومع ذلك يظل الطائر سابحا في الهواء وهو يلف ويدور وذات صباح أمسك عباس بيمامة وأخذ يتأمل جسمها والريش الدقيق الذي يغطيه، ثم مد جناحها وهويتفرس في الريش الذي كساه وقد غرق في التفكير، ثم قال: ليس بالجناح وحده تطيرين، اجل انه الريش ولا شئ غيره، وحتي يتأكد عباس من ذلك اخذ ينتف الريش من جناحي اليمامة حتي تعري جناحاها تماماً ثم اطلق اليمامة وهو يقول : هل تستطيعين الطيران الآن؟ وأسرعت اليمامة وهي تحرك جناحيها محاولة الطيران ولكنها لم تستطع، وبعد عدة محاولات للطيران أصابها اليأس فأخذت تهرول هنا وهناك فيما كان عباس يراقب تحركاتها. وجرى عباس خلفها حتى أمسك بها وهو يقول . فليسامحني الله.. لن تسطيعي الطيران إلا بعد أن ينبت لك ريش جديد يا مامتي الصغيرة.. وحتى ينبت ذلك الريش سأوفرلك الغذاء والماء والله شاهد على ما أقول .
وعكف عباس على إطعام اليمامة، وفي الوقت نفسه، كان عقله مشغولا بفكرة عجيبة لم تخطر على بال أحد من قبله ولا من بعده .. ولمدة طويلة أخذ عباس بن فرناس في الاستعداد لتنفيذ فكرته، حيث كان يقضي النهار في جمع الريش من البيوت التي ذبح أصحابها دجاجة أو بطة أو إزوة، وفي الليل كان يغسل الريش ثم يقوم بنشره لتجفيفه. ولما تجمعت عنده كمية كبيرة بدأ في تنفيذ فكرته، فصنع ثوبا على مقاسه غطاء بالريش، ثم صنع جناحين من الخشب والقماش غطاهما بالريش الكبير.
وكان الناس يقولون له وهم يشاهدونه عاكفة على الصق الريش في القماش .ما تفعل يا رجل… هل جننت؟ وكان عباس يرد وهو منهمك في عمله : لست مجنونا أيها العقلاء ستشاهدون بعد أيام ما لم تشاهدوه من قبل. . وماذا سوف نشاهد أيها المخترع الكبير؟ ستشاهدون «عباس ، وهو يطير في الهواء كالنسر الكاسر إن شاء الله.
والناس استمروا في قول : لابد أن عقلك قد ذهب يا رجل… نسأل الله لك الشفاء ويقول عباس وهو مازال في مشروعه الكبير. .سامحكم الله. وينصرف الناس وهم يضربون كفا بكف ويضحكون .. ذات صباح استيقظ عباس مبكرة، وبعد أن اغتسل وأفطر واطمأن على ثوب القماش والجناحين، هرع إلى بعض أقاربه وأصدقائه ومعارفه ويدعوهم إلى مشاهدته وهو يسبح في الهواء كالنسر، ورغم دهشة الجميع إلا أنهم تبعوه وهو يحمل لفافة ضخمة على رأسه وقد استبد بهم حب الاستطلاع. وفوق أحد التلال، وقف عباس بن فرناس وقد ارتدي ثوب الريش وربط جناح ضخمة من الريش بكل ذراع، فيما تجمع الناس في السفح وهم يحملقون فيه وقلوبهم ترتجف شفقة عليه من السقوط من هذا الارتفاع وضرب عباس قمة التل بقدميه قافزاً في الهواء، ماداً جسمه ضارباً الهواء بجناحيه ودهش الناس وهللوا بعد أن بدا لهم أن عباس سوف يطير بالفعل، أما عباس فقد رقص قلبه عندما وجد الهواء يحمله.
لكن .. ما هي إلا لحظات حتى وجد نفسه يهوي كالحجر إلى الأرض حيث تكسرت بعض عظامه، وصرخ الناس وهرعوا ليحملوه إلى بيته وهو لا يكاد يشعر بالآلام التي انتشرت في جسده، لأن عقله كان يبحث عن سبب معقول لسقوطه، ودون أن يدرك أن السبب هو عدم اهتمامه بالذيل ودوره المهم في مساعدة الطائر على التحليق في الهواء، وكذلك نزوله برشاقة على الأرض، وبالطبع لم يكرر عباس بن فرناس المحاولة مرة أخرى، لكنه وإن كان لم يطر في الفضاء أكثر من ثوان معدودة، لكن يكفيه فخرا وشرفا أنه كان أول من حاول الطيران في الهواء.