قصة العجل الأبيض ج2 والأخير
ولازلنا نستكمل قصة العجل الأبيض ونستعرض ما بها من عبر وقيم لا يسعنا إلا أن نعلمها لأبنائنا من صغرهم.
قصة تحمل قيم عظيمة بطياتها، فبها الوفاء ومعاملة الآخرين بطيب الخلق وأحسنه، بها جبر الخواطر وحسن التصرف والكثير من القيم المنشودة السامية؛ وفي المقابل أيضا بها بعض الصفات الذميمة والتي ينبغي علينا أن نكره وننفر منها أبنائنا.
قصة العجل الأبيض من القصص التي نزكيها للآباء لقراءتها على مسامع صغارنا للإفادة منها والإفادة بكل قيمة بها.
قصـــــــــــــــة العجل الأبيض ج2
وفي يوم من الأيام أقبل على الشيخ العجوز بعض رجال الوادي وفتحوا معه كثير من المواضيع المتعددة والمختلفة فتحدثوا إليه عن المحاصيل وعن الأمطار التي يأملون هطولها قريبا، وعن من منهم يأمل الزواج بنفس العام وعمن لا يطيق الاستمرار مع زوجته، وبينما كانوا يتحدثون إليه كان العجل الأبيض يناظرهم بعينه الجميلتين الحالمتين، كان من بين الرجال من تجرأ على الشيخ وعجله قائلا: “إنه لعجل سمين وجميل للغاية”!
وما كان من الشيخ إلا أن ابتسم ابتسامة الأم الهادئة عندما يمتدح أحدهم ابنها الحبيب قائلا: “إنما هذا العجل كابني تماما”.
فقال أحد الرجال: “وهل تعلم أن العجل الأبيض لا يجلب غير النحس؟!، ولا تعلم أنه نذير شؤم؟!، لقد سمعت أن الأرواح الشريرة دائما تتخذ صورة العجل الأبيض وتتمثل به”.
قال أخر منهم: “إن العجل ولاسيما عندما يكون أبيضا وجميلا كعجلك يباع بسعر مرتفع للغاية، ويمكنك أن تشتري به بقرتين اثنتين تلدان لك عجولا بدلا من عجل واحد تتمسك به، كما أنهما يعطيانك الألبان ولأولادك وأحفادك أيضا؛ أما عجلك الأبيض هذا الذي تتمسك به لا خير فيه على الإطلاق”.
وهنا لم يستطع الشيخ العجوز أن يكبح غضبه فثار فيهم غاضبا: “ألم أقل لكم منذ قليل إنني أعتبره ابنا لي؟!، فكيف لوالد أن يبيع ابنا له؟!”
فسأله أحدهم ببرود متناهي: “لقد سمعت النسوة يتحدثن عنك بأنك تغني أجمل الأغنيات لعجلك، أصحيح ما سمعت منهن؟!”
أخذ الشيخ العجوز يقلب نظره فيهم واحدا تلو الآخر، وفي النهاية تمالك أعصابه قائلا لهم: “يا إخواني إنني لا أتحدث إلى العجل الأبيض، وإنما أتحدث إلى نفسي ولكن بصوت مرتفع، أتدرون كالذي يصرخ في وادي عميق باسمه ليسمع صدى الصوت”.
فضحكوا منه جميعا: “ألا تدري بأننا جميعا نعلم يقينا أن عجلك الأبيض هذا قد سحرك، وأنه لن يجلب عليك إلا النحس والشرور، والمصيبة أن نحسه وشروره ستصل إلى جميع من بالقرية”.
اقترب الشيخ العجوز من عجله ببطء وفي هدوء شديد وأخذ يمسح بيده على شعره الجميل قائلا: “أتدرون شيئا؟! إن هذا العجل ملكي، ولن أبيعه مهما بلغ ثمنه ولن أتخلى عنه مهما حدث، أتدرون أيضا لم أفعل معه كل ذلك؟!
إنه لا يسخر مني عندما أتحدث إليه، ولا يمتعض عندما أغني أمامه، ولا يسبني ويلعنني إذا ما أدرت له ظهري”.
هزوا جميعا رؤوسهم وكأنهم مشفقين على ما آل إليه حال الشيخ العجوز وتركوه ورحلوا، ولكنهم كانوا يعتقدون لأبعد الحدود لدرجة اليقين أن مصيبة ما ستحل على الوادي بأكمله، وبمرور الأيام وشيئا فشيئا سيطر الهدوء على الناس مجددا، ولكنهم كانوا على الدوام يتجنبون الشيخ العجوز وكل أهله دون أسباب، والشيخ لايزال مواظبا على عادته اليومية ولا يتنازل عنها مهما حدث وبدر من أهل الوادي، إذ كل يوم يخرج مع عجله ويجلس به في الشمس.
ومرت الأيام وتداولت وحل جفاف وقحط لم يرى مثله القوم على الإطلاق، فالأمطار قد انحبست عنهم والمواسم ساءت على غير عادتها وكل الزروع قد يبست والمياه بالينابيع قد شحت، أما عن الماشية والدواب فقد مات الكثير منها بسبب انتشار الأمراض بينها، حتى أن أطفال الوادي قد مات البعض منهم بسبب أمراض مفاجئة قد حلت بهم!
حلت الكوارث متتالية على أهل الوادي، وما كان منهم إلا أنهم على الفور تذكروا أمر العجل الأبيض، وعادت إليهم جميع أحقادهم على الشيخ العجوز وعجله الأبيض من جديد، كما أنهم أرجعوا للعجل الأبيض السبب وراء كل ما حل بهم من كوارث، فانتشرت الإشاعات في القرية بأكملها وراجت بينهم الخرافات.
وفي صباح أحد الأيام غرق طفل صغير في بركة قريبة من منزل الشيخ العجوز صاحب العجل الأبيض، حملت الأم الحزينة المكلومة جثة صغيرها الغريق وذهبت به لمنزل الشيخ تريد منه مساعدته، أخبرها الشيخ بوصت يملأه الحزن الدفين والشعور بما تعاني منه: “لقد توفاه الله إليه لأمر يعلمه سبحانه وتعالى، ولا تحزني سيعوضك الله سبحانه وتعالى بكثير من الأبناء، إنني أعلم جيدا ما تشعرين به من آلام وأحزان”.
كان هناك جمع من أهل الوادي وقد أثر فيهم جميعا كلام الشيخ والذي يوحي بمدى قلبه الرحيم الذي يتمتع به وأنه غير مخبول كما ينشر البعض عنه؛ وفي الصباح التالي حمل بعض الرجال عصيهم وتسارعت خطاهم تجاه منزل الشيخ العجوز، وكانت أعدادهم كبيرة فخرج الشيخ للقائهم فقد كان يعلم ما يبدون له من نوايا خبيثة سيئة، فألقى أحد الشباب الصغار بحجر فأصاب الشيخ في جبينه فسال الدم منه لدرجة أنه بدل لون ثوبه من الأبيض الناصع للون أحمر شديد الحمرة.
خشي حينها الشيخ على عجله الأبيض ونظر خلفه وهو يؤمل نفسه أن يساعده أحد أبنائه أو حتى أحفاده، ولكنه لم يجد منهم أحدا فقد هربوا جميعا خوفا من بأس الرجال؛ وفي هذه اللحظة تحديدا إذا بالعجل الأبيض يخرج من حظيرته وكأنه يفتدي صاحبه بنفسه، وإذا بالرجال جميعا يركضون تجاهه تاركين الشيخ العجوز، وانهالوا عليه ضربا بالعصي حتى سقط العجل المسكين صريعا على التراب.
صعق الشيخ العجوز مما رآه ركض نحو عجله المسكين وأخذ يقلبه يمينا ويسارا ولكن دون جدوى، فأخذ يصرخ ويبكي عليه بكاء الطفل الصغير لفقده والديه، وظل الشيخ مدة طويلة من الزمن لا يقوى على الحراك، وأخيرا تحامل على نفسه وعاد لمنزله متعثرا يسود عليه الصمت والحزن الدفين.
اقرأ أيضا:
وأيضا… قصص أطفال مفيدة قبل النوم اغتنمها لصغارك