قصة رحلة النور من معجزات رسول الله صلي الله عليه وسلم
قبل عامين تقريبا من هجرة الرسول إلى المدينة المنورة، اشتد جفاء المشركين وإيذاؤهم لرسول الله والذين آمنوا معه، فأذن لبعضهم بالهجرة سرا إلى الحبشة تارة، وإلى المدينة تارة أخرى، وأحاط بالنبي الحزن الشديد لفقده اثنين من أشد المناصرين لدعوته، فقد توفيت زوجه خديجة. رضي الله عنها. التي قال عنها الرسول 3، لقد صدقتني حين كذبني الناس، وأوتني حين طردني الناس. وأعطتني من مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد، ولم أرزق من غيرها ،كما توفي عمه أبو طالب على الشرك، فأثر ذلك في نفسه، وتمنى لو أن عمه نطق بالشهادتين قبل وفاته، في ظل هذه الظروف القاسية، والأحداث المؤلمة تتدخل العناية الإلهية، ويأتي الفرج من عنده سبحانه وتعالى، فيأمر الله تعالی سماواته أن تتزين لتستقبل خير البرية، وخاتم الأنبياء والمرسلين، في معجزة لم تحدث لنبي قبله، سجلها الله سبحانه في القرآن الكريم فقال: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصیر) الإسراء .
فقد جاء جبريل عليه السلام إلى النبي وأعلمه أنه سيذهب لزيارة ربه جل وعلا، وقد أتاه بوسيلة السفر وهي البراق والبراق دابة فوق الحمار ودون البغل، تضع حافرها عند منتهی بصرها، فركبها الرسول حتى وصل إلى بيت المقدس وصلى فيه بالأنبياء إماما، ثم عرج به إلى السموات العلا، ورحب به أهل كل سماء، وقابل في السماء الأولى أبا البشر آدم عليه السلام، وفي السماء الثانية يحيى بن زكريا وعيسى ابن مريم عليهما السلام، وفي الثالثة يوسف عليه السلام، وفي الرابعة إدريس عليه السلام، وفي الخامسة هارون عليه السلام. وفي السادسة موسى عليه السلام، وفي السابعة إبراهيم عليه السلام، ثم رفع إلى سدرة المنتهى، ثم عرج به إلى ربه سبحانه وتعالى حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليه ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة، ثم خففت إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، فالصلوات الخمس خمس في العمل، وخمسون في الأجر والثواب، وكان كل ذلك بالروح والجسد معا، ولم تكن مجرد أحلام منامية، وقد رأی النبي مشاهد كثيرة في تلك الرحلة، حيث رأی الجنة وأنهارها، ورأى النار وشدة سعيرها ، وعرض عليه جبريل عليه السلام اللبن والخمر، فاختار اللبن فقال له جبريل عليه السلام، اخترت الفطرة ولو اخترت الخمر لغوت أمتك .
كذلك رأی نماذج الأفعال العباد ورأی مصير كل منهم، فرأى الشهداء في سبيل الله في صورة قوم يزرعون ويحصدون في آن واحد، كلما حصدوا عاد الزرع كما كان، وهو يدل على مضاعفة ثوابهم إلى يوم القيامة، كذلك رأي أكلي أموال اليتامي ظلما، وأكلي الريا، والمغتابين والزناة وتاركي الصلاة، والمضيعين للأمانات كل هؤلاء رآهم في صور بشعة وأليمة تنفر النفس من أفعالهم، وعاد من رحلته، فوجد فراشه لا يزال دافئا. ولما أصبح قص ما حدث له على قومه، فكان أول من صدقه هو أبوبكر رضي الله عنه. لذلك سمي بالصديق، وكذبه معظم الناس، وتحدوه أن يخبرهم بأمارة ما يقول، فأخبرهم أن عيرا من أهل مكة آتية من الشام وسوف يصلون في يوم كذا، وأنه دلهم على بعير ند لهم أي ضل وشرد عن القافلة، وأنه شرب ماءهم من إناء مغطى وهم نائمون. ثم ترك الاناء مغطى، وتأكد لديهم صدق ما أخبرهم به ورغم ذلك كذبوه ورموه بالجنون، وطلبوا منه شيئا من باب التعجيز، فقد قالوا له : تزعم أنك ذهبت الليلة إلى بیت المقدس، ونحن نضرب اليه أكباد الإبل شهرا فإن كان ما تقول حقا. فصف لنا بیت المقدس، وهل يمكن الإنسان أن يصف مكانا ما لم يره سوى مرة واحدة وللحظات قليلة، وكان ذلك ليلا ؟؟ ولكن الله تعالى لم يترك رسوله في هذا الموقف الحرج، فأمر جبريل. عليه السلام أن يحمل بيت المقدس على يديه ويقف أمام الرسول ، حتی يجيب على ما يسألونه، ويقول الرسول مؤكدا هذه المعجزة، لما كذبتني قريش أي في شأن الأسراء والمعراج. قمت في الحجر (أي في حجر إسماعيل عليه السلام بجوار الكعبة) فجلی الله بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه العظيم .
وبعد كل هذا هل اقتنع المشركون وأسلموا كلا لقد زاد عنادهم، وقست قلوبهم، مما ران عليها من معاص وذنوب. وهكذا فإن الإسراء والمعراج ليست معجزة واحدة، ولكنها جملة من المعجزات والأيات الدالة على مكانة الرسول عند ربه، وصدقه في البلاغ والرسالة
ونستفيد من هذه المعجزة :
- مكانة الرسول بين سائر الأنبياء والمرسلين.
- أهمية المسجد في الإسلام، حيث بدأت رحلة الإسراء من مسجد وانتهت إلى مسجد .
- مكانة المسجد الأقصى في الشريعة الإسلامية، فهو أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسری الرسول ، ومهبط عيسی عليه السلام، نسأل الله تعالى أن يحرره من دنس اليهود ورجسهم، وأن يرزقنا فيه صلاة قبل الممات.
- الترغيب في كل أعمال الخير والمحافظة على الصلوات الخمس، والترهيب من كل ما يغضب الله تعالى
- .عناد المشركين وشدة غيظهم من الإسلام في كل زمان ومكان، رغم علمهم بأنه الدين الحق، وأن ما سواه باطل وضلال.
- أن الضيق يتبعه الفرج، وأن الحزن والشقاء، يتبعه الفرح والسعادة .