لم تكن تعلم أن الحياة قد تكون بكل هذه القسوة ، لم تكن تعلم أن كل ما خططت له في حياتها قد ينتهي وتعجز تمامًا عن أن تنقذ نفسها وحياتها ، لم تكن تعلم أن أخطر الأشخاص هم أقربهم إليك وأعزهم على قلبك …
حين تبتسم الحياة فتكشر عن أنيابها
بدأت القصة حين تعرفت عليه في العام الثاني لها في كلية الهندسة ، كان في العام النهائي ، رئيس اتحاد الطلبة ، متفوق ، ذكي ، وسيم ، خفيف الظل ، لبق ، لديه كل ما تتمناه أي فتاة لم تقع من قبل في الحب ، يمكننا ان نقول أنه كان حب من أول نظرة بالنسبة لها ، وبالنسبة له أيضًا ، على الرغم من أنه تورط من قبل في عدد من العلاقات العاطفية إلا أنها كانت مختلفة ، وتمكنت فقط ببراءتها وعيناها اللامعتان أن تجذبه إليها ، لم يتردد كثيرًا قبل أن يفاتحها في الارتباط الرسمي .
أشترط والدها أن ينتهي من دراسته وأن يلتحق بوظيفة ، لم يكن الأمر صعبًا ، فهو طالب متفوق ومتوقع له النجاح ، ووالده يعمل في أحد دول الخليج ومن المتوقع أيضًا أن يضمن له وظيفة جيدة .
أنتهي من عامه الدراسي الأخير و تقدم من جديد لخطبتها ، تمت الخطبة ، واستمرت لمدة عام كام ، كان حينها مسافرًا يعمل ، وكانت هي منشغلة بالدراسة وبتحضير منزل الزوجية الصغير الذي يقع أعلى شقة والدته في منزل العائلة ، والدته كانت تحبها كثيرًا ، وشقيقه وشقيقته التوائم كانوا يعتبروها واحدة منهم ، لم يحدث وأن غضبت منهم أو غضبوا منها ، خاصة أنهم كانوا حينها في المرحلة الثانوية وكانت تعتبر أنها بديلًا لأخيهم .
في الإجازة الصيفية كانت أول اجازة له من عمله ، عاد إلى المنزل وأتمم كل إجراءات الزواج ، كان العرس رغم أنه بسيط إلا أنه أسطوري بالنسبة لها ، كان كلاهما يعيش أجمل لحظات الحياة ، مرت الأيام سريعًا وأنتهي شهر الإجازة بالنسبة له .
كانت تستلقي يوميًا في سريرها وتبكي دون صوت ، لم ترد أن يشعر بألمها أو حزنها ، هو أيضًا كان يخفي عليها الألم الذي سيشعر به في فراقها ، لكنه كان يشعر بالعجز عن التصرف ، فهو يعلم أن لا وظيفة له في وطنه وأن الغربة أمر واقع لا هروب منه لكي يبني مستقبله ، كان يخطط أن يبقي مغتربًا لأعوام قصيرة وبعدها يعود إلى الوطن ويؤسس مع زوجته شركة صغيرة لهم .
جاء يوم السفر سريعا ، ودعته بدموعها ، احتضنتها والدته وأخبرتها أنه سيعود قريبًا ، مرت الأيام بعد سفره بطيئة ومملة ، كان ما يحليها فقط هو مكالماته الطويلة وأحاديثهم الليلة بعد يوم عمل طويل ومرهق ، كان ينام في أغلب المكالمات ، لكنها كانت راضية ، كانت تكتفي بصوت أنفاسه ، وتخبر نفسها أنه لا بأس بكل هذا ، ففي الأخير هي مدة وستنتهي وسيعود بين ذراعيها من جديد.
مرت 6 أشهر طويلة تقضي يومها بين الجامعة وبين منزل والدته ومرافقة أخوته ، كانت قريبة للغاية من شقيقته ، لكن شعورًا ما سئ كان ينتابها من شقيقه ، خاصة بعد أن لاحظت تغيره بعد التحاقه بالجامعه واصبح يتغيب لساعات طويلة عن المنزل دون مبرر ، تغيرت طريقته في الكلام وحتى المصطلحات التي يستخدمها لم تعد كما هي ، يغضب والدته وشقيقته كثيرًا وهي تنسحب في كل مرة إلى منزلها قبل أن تبدأ المشاجرة بين الأم وابنها.
في أحد الأيام حضر الشقيق الأصغر إلى المنزل يبدو غريبًا ، دخل إلى المنزل وأقترب منها وجلس بجوارها ، حاول أن يلتصق بها ، فنهضت مسرعة لدرجة أن الأم لاحظت الأمر وسألتها ما بها ، فأخبرتها بأنه ألم مفاجئ في أسنانها وأنها ستصعد إلى منزلها لكي ترتاح قليلًا .
حين صعدت إلى منزلها أنهمر منها بكاء شديد ، الكثير من الأفكار المشوشة ، ماذا تفعل ؟ كيف تتصرف ؟ هل تخبر زوجها ؟ هل تخبر والدتها ؟ والدة زوجها ؟
تذكرت كل مرة نظر إليها بعين الرغبة وكانت تتهرب من عيناه ، تذكرت كل مرة كانت تحرص أن ترتدي ملابس فضفاضة وتلتزم بالحجاب أمامه رغم مزاح والدته أنه مازال صغيرًا ومثل شقيقها ولا بأس أن تكون بملابس المنزل أمامه . لم تستفيق إلا على صوت هاتفها يرن وصورة زوجها تظهر ، ذهبت مسرعة إلي المرآة ومسحت دموعها وحاولت أن تبدو هادئة لكي لا يلاحظ أي شئ . توقفت تدريجيا عن النزول إلى منزل والدته وصارت تقضي مزيد من الوقت في منزلها أو منزل والدتها لكي تتجنب الالتقاء بشقيق زوجها .
في أحد الأيام عادت إلى المنزل لكي تحضر بعض الملابس لتأخذها معها إلى منزل والدتها وقررت المبيت والتحرك في الصباح ، عاد هو متأخرًا حوالي الثالثة صباحًا ، لمح أضواء شقتها مضائه فعرف أنها في المنزل ، دخل إلى المنزل بهدوء شديد ، والتقط سلسلة مفاتيح والدته ، توجه إلى الأعلى وفتح الباب وتوجه إلى غرفة نوم زوجة أخيه .
لم يكن في وعيه الكامل ، كان قد تناول الكثير من المخدرات التي حولته من إنسان إلى حيوان لا يدري ما الذي يقوم به ، اقترب منها ، شعرت به ، فزعت حين فتحت عيناها ووجدته أمامها ، دفعته وحاولت التحرك ، لكن قبل أن تنزل عن سريرها أمسك قدمها وسحبها في اتجاهه ، حاول أن يعتدي عليها وحاولت أن تقاوم ، صرخت حتى ضاع صوتها ، لكنه كان أقوى منها وتمكن من كتم فمها حتى راحت في أغماءه . انتهى منها قرب صلاة الفجر ، ونزل مسرعًا إلى الأسفل ، توجه مباشرة إلى خارج المنزل حينها رأته شقيقته التي كانت تتحضر لكي توقظ والدتها للصلاة ، شعرت أن هناك أمر ما وإلا لماذا يجري هكذا خارجًا من المنزل !!
توجهت إلى غرفة والدتها وأخبرتها ما رأت ، كانت الأم تشعر أن هناك أمر ما خاطئ ، خرجت إلى باب المنزل ولاحظت اختفاء المفاتيح ، فتوجهت مسرعة إلى الأعلى لتجد مفاتيحها في باب شقة ابنها الأكبر وزوجته ، دخلت إلى الداخل ومن خلفها ابنتها فوجدا الفتاة المسكينة مغشيًا عليها مقطعة الملابس ويبدو جليًا ما حدث معها .
لم تتحمل الأم ما رأت وخذلتها قدمها فسقطت بجوار الفتاة تبكي ، أما ابنتها فحاولت أن تتأكد أن زوجة شقيقها بخير ، ومازالت على قيد الحياة ، بدأت تستفيق ببطء ، وجدت نفسها على فراشها ، تشعر بألم في كامل جسدها ، تشعر أن جلدها يحترق ، تبكي ولا تدري ماذا تفعل ، تحاول أن تتكلم أو أن تصرخ ولكن صوتها لا يخرج ، مرت الساعات بطيئة عليها.
أجبرتها والدة زوجها على الاستحمام وتغيير ملابسها ، وجمعت كل شئ كانت ترتديه وأغطية السرير و قامت بالتخلص منهم ، طلبت من ابنتها أن تجالسها ، ونزلت إلى المنزل لتجد ابنها الأصغر نائمًا في غرفته وكأنه لم يفعل أي شئ ، أيقظته بلطمة قوية ، صرخت في وجهه وطردته من المنزل .
مر يومان هاتفها لا يتوقف عن الرنين ، زوجها ووالدها ووالدتها وأختها الوحيدة ، الكل يحاول أن يطمئن عليها دون فائدة ، اتصل زوجها بوالدته التي أخبرته أنها مريضة قليلًا والطبيب طلب منها أن تستريح وأنها ستحدثه فور أن تتحسن . أما حين أتت أسرتها لتطمئن عليها أخبرتهم الأم أنها ليست بالمنزل وأنها ذهبت إلى الجامعة كالمعتاد وأن هاتفها معطل وسوف تطلب منها أن تحادثهم من هاتفها الشخصي فور أن تعود ، حرصت الأم على إخفاء كل شئ بكل مهارة ، كانت تحاول أن تكسب الوقت حتى تمر العاصفة ، لكنها لم تكن تدري أن ابنها لن يتحمل أكثر ، فقد قرر بعد أسبوع أن يعود ليطمئن على زوجته التي لم تتحدث إليه لسبعة أيام كاملة ، وهو ما لم يحدث أبدًا .
تخيل هو أن الأمر ربما يكون مشكلة عادية مع والدته وشقيقته وأنها غاضبة منه وأن والدته تخفي الأمر فقط ، فتحدث إلى أسرتها التي كانت مستاءة للغاية وتتهمه هو وأهله بأنهم السر وراء اختفاء ابنتهم . لم يفهم أي شئ ولم يعرف ماذا يقول . توجه إلى منزله وصعد مباشرة إلى الأعلى حتى قبل أن يمر على منزل والدته ، فتح الباب ليجد والدته أمامه احتضنته وهي تبتلع ريقها بصعوبة من الخوف والتوتر ، دخل إلى الغرفة ليجد زوجته ترقد إلى السرير وتبكي في صمت ، فهي لم تتوقف عن البكاء طوال الأيام الماضية ، احتضنها ولم يكن يفهم ما يحدث فوجهها ليس وجهها ، وقد فقدت الكثير من الوزن ، ويبدو عليها الخوف الشديد .
ارتمت هي بين ذراعيه تبكي ، لم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة ، لم تستطع أن تصف له ما بها ، لم تستطع أن تصرخ ، صمتت صمت مؤلم ، ألم أكبر وأعمق من كل الألم الذي مر عليها الأيام الماضية .
حاول أن يسأل والدته عما حدث معها فلم يجد أي أجابه شافية ، سأل عن شقيقه لكي يطمئن عليه ، فأخبرته والدته أنه ذهب لزيارة أحد أصدقاءه في محافظة ثانية ، تعجب ولكنه لم يبدي اهتمام .
مر يومان على وجوده ولم يستطع فهم أي شئ ، أتضح كل شئ حين سقطت مغشيًا عليها حين كانت تغسل وجهها في الصباح ، لاحظ أن ملابسها ملوثة بالدماء ، أتصل على الفور بالطبيب الذي أتى مسرعًا ، أخبره أن ما حدث معها بسبب انخفاض ضغط الدماء ، وطلب منه أن يجري بعض الفحوص ، نصحه ألا تتحرك كثيرًا ، فحضر فني المعمل إلى المنزل وسحب عينة دماء ، بعد أقل من ساعة اتصل به المعمل ليهنئه أن نتيجة الحمل إيجابية ، سقط الهاتف من يده وغلت الدماء في عروقه ، وتوجه إلى الغرفة يصرخ فيها ويتهمها بالخيانة ، لم تستطع أن تدافع عن نفسها ، لم تتمكن إلا من الدموع التي سقطت على وجنتيها ، ولم تشعر إلى بيديه تلتف حول عنقها لتنهي الحلم الجميل سريعًا وتقتلها دون حتى أن تدافع عن نفسها .