كانت الطبيعة هادئة ساكنة شفافة ، والنجوم ترتعش في قبة السماء وقد سجى الليل ورق النسيم ورقدت المدينة في سبات عميق ، واخذت اوراق الشجر تتهامس بسر ربة القصر ، التي لم تقتل حتى اليوم فمازال شهريار يستمع الى قصصها وحكاياتها الغريبة التي تقصها عليه كل يوم وحتى مطلع الفجر ، وجلست شهرزاد بشعرها الاسود الناعم الطويل مسترخيا على كتفيها في دلال وهي تبتسم بحب للملك شهريار وتحكي له ، اقدم لكم اليوم في موقع قصص واقعية قصة من كتاب ألف ليلة وليلة قصة ليلة في مقبرة ج1
ليلة في مقبرة ج1
قالت شهرزاد بدلال : حكى ايها الملك العظيم انه كان في دمشق ، تاجر ثري يدعى ايوب قد رزقه الله ولدا نبيها ، سماه غانم وابنة جميلة سماها فتنه ، توفى ايوب تاركا لهما ثورة من اموال لا تتنضب ، واحمالا من الديباج والمسك واعدها للتجار في بغداد ، وكنه مات قبل ان يصل بضائعه الى تجار بغداد من الديباج والمسك ، وكان غانم قد صار رجلا واخته صبيه جميلة ، وكانت الام تجاوزت الستين عاما ، حزن الجميع على موت ايوب الاب اشد الحزن .
لبثوا شهورا عديدة في حزن لا يعملون في شيء ، وفقدوا ملذات الحياة بموت الاب وكبير الاسرة وكانت الحياة طويلة ويس لها فائدة في عيونهم وبعد شهور استفاق غانم وشعر بواجبه نحو امه واخته ، وكان يريد العمل ففحص الاحمال التي تركها ابوه من الديباج والمسك ، وقرر أن يسافر بالبضاعة الى البلاد ليبيعها ويحقق رغبة ابيه قبل الموت .
ودع امه واخته واصحابة وخج من دمشق باحماله الكثيرة في قافله كبيرة فاجتاز البادية ، التى تملىء القلوب صفاء وخشوع ثم اقبل على عاصمة الدولة العربية في عهد ازدهار الخليفة هارون الرشيد ، وكان من عادة التجار قديما ، يستاجرون دارا ينزلون فيها ويودعونها احمالهم وبضاعتهم الكثيرة ، استاجر غانم دارا للمناسبات ونل فيها وفرشها بالبساط الثمين والوسائد الغالية ، وعلق الستائر الحرير وانزل بضاعته الغالية من المسك والديباج ، وكان يذهب كل يوم الى السوق ويعرض بضاعته الغالية في الأسواق على التجار بضعف ثمنها ، وكانت البضاعة اوشكت على النفاذ ، كان يملىء صندوقة الخشبي بالنقود الكثيرة .
وفي صباح يوم ذهب غانم الى السوق ، فوجد السوق خالي والمحلات كلها مغلقة والحوانيت ، ولا يوجد اي تاجر بالسوق فسال بدهشه وعرف بان احد التجار قد مات وهو التاجر سليم الحمصي وذهب كل التجار للعزاء والجنازة ، كان سليم رجل تقي يحب عمل الخير كثيرا ، وقرر غانم الذهاب الى دار سليم الميت وصلى عليه مع الناس ورافقهم الى المقبرة ليحضر شعائر الدفن .
وكان اهل الميت سبقوا المشيعين الى المقبرة ، ونصبوا خيمه كبيرة حول القبر واشعلوا الشموع من حوله والقناديل ودخل الميت قبرة ، فاخذ المقرئون مجالسهم يقراون القران الكريم في خشوع ، وكان غانم بينهم يريد ان يعود لمنزله بعد الانتهاء من العزاء ، واقبل المساء ولم يذهب احد من امام قبر الرجل بل احضروا الطعام واكلوا واستمر الشيوخ في تلاوة القران الكريم ، خاف غانم على امواله التى تركها بالقاعة لوحدها وبضاعته الثريه ، وقال انا رجل غريب عنهم ولقد عرفوا باننى لست بالدار ربما هجم اللصوص على وسرقوا اموالي وانا غريب بالبلد .
فلا امن ان ابات ليلتى بالخارج لابد ن العودة لمنزلي ولبضاعتى ، وخرجمن بين الناس وخرج دون ان يشعر به احد عائدا للمنزل ، وكان الظلام كثيف ولم يهتد للطريق والعودة لدار المناسبات ولما وصل لباب المدينة وجده مغلق ، ولم يرى احد ولم يسمع غير نباح الكلاب تعوي والذئاب التي تشق بصراخها المخيف صمت الليل ، ارتعد غانم بنن ايوب واخذ يردد : كنت خائف على مالي والان انا خائف على حياتي في تلك البقعة الموحشة والذئاب اخذ يبحث عن مكان ياويه للصباح ، فلم يجد سوى مقبرة مسورة باربع جدران وفيها نخله عالية فدنا منها وفتح الباب ، ودخل المقبرة وحاول النوم ولكنه كان خائف وكانت تطارده الاوهام والمخاوف الكثيرة ويتخيل ابشع الاشياء والاشباح تنقض عليه وهنا شاهد غانم في مقبرته نورا يقترب منه شيئا فشيء شعر بالرعب والخوف الكبير ، فتسلق الشجرة بسرعه واختبىء بين اغصانها العاليه حتى يرى من القادم..
يتبع..