لقد ورد بالقرآن الكريم الكثير من القصص للسابقين لنيل العبرة والعظة منها، وعلى الحكيم أن يأخذ بما جاء به وألا يجعلها تمر عليه مرور الكرام.
صــاحب الجنتين
كان هناك رجلين بالرغم من الاختلافات العديدة بينهما أولها الفقر والغنى وثانيها اختلاف الآراء بينهما إلا أنهما كانا صديقين، كانا بكل مرة يتقابلان بهما يتجادلان حول اختلاف آرائهما وكل منهما يحاج الآخر بالبرهان والحجة؛ كان الفقير يرى أن اعتزاز الرجل يكمن باعتزازه بإيمانه وصلته بربه، أما الغني فيرى أن الاعتزاز يكمن في كون المرء غني ليس بفقير، وكل مرة كل منهما يصر ويزداد على رأيه أكثر وأكثر.
وبيوم من الأيام كانا يسيران بجنتي أحدهما (الغني)، نظر الغني يمينا ويسارا بفرحة شديدة لما عنده من نعم حرم منها صديقه، لقد كانت الروائح الزكية تفوح من الأزهار والنسيم العليل يشفي الأسقام علاوة على المناظر الخلابة والتي تعطي أملا بالحياة من خضرة الأشجار وزرقة النهر الذي يمر بين الجنتين ليروي الزروع بمياهه العذبة؛ شرع الغني في حديث كعادته مع صديقه الفقير حول الاعتقاد بيوم البعث والحساب…
الغني: “ألا ترى أنني أعز منك مالا وأعز منك نفرا؟!”
الفقير أدرك أنه يرغب في جدال كعادته، وأنها مجرد حيلة منه للشروع به …
الفقير: “ألا تؤمن بأن رداء الكبرياء اختصه الله سبحانه وتعالى لنفسه فقط؟!”، ولأن الغني خاطبه بكل غرور وتكبر.
الغني: “ولكن اعترف ألست أكثر منك مالا وولدا؟!”
الفقير: “نعم إنك أكثر مني مالا وولدا”.
الغني: “بالتأكيد ألا ترى جنتي وكل ما بهما من أشجار وثمار، أنت تؤمن بالجنان التي سيدخلها من يؤمن بالله، ولكني أنا أستغني بجنتي عن هذه الجنان”.
ثار الرجل الفقير غاضبا من جحود صاحبه وكفه بالله سبحانه وتعالى: “إن الملك لله وحده سبحانه وتعالى، إن شاء أعطاك ووهبك المال والولد، وإن شاء سلبك كل ما وهبك إياه، ونحن عباده ومستخلفيه في الأرض لا يسعنا من أمرنا إلا أن نشكره ونحمده على عطائه ومنعه، وفي كلا الحالتين ابتلاء للعبد على مدى شكره وحمده على قضاء الله وقدره”.
الرجل الغني: “ولكنني لا أعتقد بيوم البعث، وحتى إن وجد سأعامل فيه بكل احترام وتقدير نظرا لكوني غنيا وأتفوق على الجميع بثرائي الفاحش، وسأعطى أفضل من هاتين الجنيتين أيضا”.
الفقير: “ولكنك إن قلت دوما بدخولك جنتيك ما شاء الله لا قوة إلا بالله، يبارك الله لك فيهما بحمدك وثنائك على خالقك سبحانه وتعالى”.
الغني: “أتعلم لو كنت ثريا لما استعنت بالله يوما”.
الفقير: “مالي أراك كالكفار، خف أن يمنع عنك الله بتكبرك وجحودك نعمه”.
الغني: “إذا أخبرني كيف لجنتي هاتين أن تزولان وأمنعهما؟!”
الفقير: “قد يرسل الله سبحانه وتعالى عاصفة من السماء فتصبح خربة، أو يجف النهر فلا تجد ماءا تروي به جنتيك، الله سبحانه وتعالى له القدرة على كل شيء، ولكن يمكنك أن تتوب وتستغفر خالقك وتنوب إليه”.
لقد كان الرجل الفقير في حالة يرثى عليها من شدة حزنه وألمه على صاحبه الغني والذي عبد جنتيه حيث أنه أيقن بأنهما تمدانه بالقوة عوضا عن عبادته لله سبحانه وتعالى.
حل الليل وأوى الغني لفراشه، وإذ بعاصفة مميتة تغير على جنتيه لدرجة أن الأشجار كانت تقتلع من جذورها، والنيران تضرم فيها قبض صدر الغني، وبالصباح الباكر ذهب لجنتيه فرآهما خاويتين على عروشهما، وكانت نهاية كبره وغروره.
أما عن صاحبه الفقير المؤمن بالله لم يتركه وشأنه، بل ذهب وأعلمه أن كل ما حدث له ظاهره العذاب ولكن بباطنه الرحمة من ربه سبحانه وتعالى، وأن طريقة كبره كانت لن تؤود به إلا لطريق العذاب والجحيم وبئس مصيرا.
الآيات القرآنية في قصة صاحب الجنتين بسورة الكهف:
قال تعالى: “وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا، كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا، وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا، وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا، وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا، لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا، وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا، أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا، وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا، هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا” صدق الله العظيم.
اقرأ أيضا:
قصص القران عن الحيوانات قصة حوت يونس كاملة
قصص القران طريق الإسلام “آدم عليه السلام”
قصص القران عمرو خالد قصة مريم بنت عمران