يتعلم أبنائنا الكثير من خلال القصص الشيقة التي نختارها ونرويها لهم، لذلك يجب علينا انتقاء القصص المفيدة والغنية بأسمى المعاني والقيم من أجل إسعاد قلوبهم الصغيرة وتعليمهم ما يساعدهم ببداية حياتهم.
قصة بائعة الكبريت:
بيوم من الأيام كانت هناك فتاة صغيرة لم تتجاوز السابعة من عمرها، جمالها كنقاء السماء الصافية يسر الناظرين، تتسم بعينين زرقاويتين وشعر ناعم كالحرير لونه كخيوط الشمس الصفراء؛ تلك الفتاة البريئة التي لم تعرف عن حياتنا القاسية إلا القليل فقدت أمها الحنون بعد سفر والدها بعدة أشهر الذي لم يرجع من سفره ولم يعلم عنه شيئا، إذ صارعت والدتها المرض متمنية من الله أن يمد بعمرها من أجل فتاتها الصغيرة الضعيفة التي لا تقوى على الحياة المريرة، يكفي أنها فقدت أباها في ظروف غامضة.
نصيب محتوم:
توفيت الوالدة بعد رحلة مريرة مع المرض، ولكنها قبل وفاتها أوصت والدتها العجوز كل ما تبقى لها من أهلها بالحياة أن تحمي ابنتها الصغيرة اليتيمة من تقلبات الدهر، تهتم بها جيدا وبتعليمها حتى يطمئن قلبها الحزين إذ أنها شعرت بدنو الأجل، عاهدت الأم الكبيرة ابنتها المسكينة قبل وفاتها بأن تفعل كل ما طلبته منها، ولكن الجدة قلقت حيال عمرها الكبير واحتمالية قرب أجلها فمن سيعتني بالابنة الصغيرة من بعدها.
أمل جديد:
اهتمت الجدة بالفتاة الصغيرة اهتماما بالغا، وأعطت لها أملا جديدا بالحياة، كانت “أحلام” تطلب كل يوم قصة جديدة من جدتها تسردها لها على ضوء القمر الهادئ معبرة لها عن مدى صعوبات الحياة التي قد يواجهها البشر من قسوة قلوب آخرين من نُزعت الرحمة من قلوبهم، وأحلام تحزن حزنا شديدا وتقول: “يا جدتي إن البشر في الأرض يجب أن يكونوا كالنجوم في السماء، فنجم واحد بالسماء لا يستطيع أن ينيرها، لقد خلقنا الله ليعطف الكبير على الصغير، ويحترم الصغير الكبير، هل أنا على صواب يا جدتي؟”.
الجدة: “أتعلمين يا أحلام عندما تكبرين ستكونين ذات شأن عالي، وعندما تبلغي عمري ستصبحين بالتأكيد حكيمة عظيمة يا حبيبة قلبي”.
كسر ظهر الفتاة:
مرضت الجدة فجأة ووافت منيتها على الفور، وأحلام متعلقة بها عند قدميها، ولم ترد تركها نهائيا فبالرغم من صغر سنها إلا أن قلبها الصغير اكتوى كثيرا بألم الفراق والرحيل، وها هي جدتها تتركها وحيدة بعالم لا يعرف للرحمة طريق؛ فأخذت الفتاة الصغيرة تجلس بالساعات الطوال بجوار قبر جدتها ووالدتها.
قلب لا يعرف الرحمة:
استغل مالك البيت بعد وفاة الجدة الفتاة الصغيرة، فأخذ يعطيها الكثير من حزم الكبريت لتبيعها بشوارع المدينة، ولا يكترث لمدى تعبها أو حتى بالبرودة الشديدة التي تملأ المدينة، مهددا إياها ومتوعدا إن عادت بثقب واحد من الكبريت سيبرحها عليها ضربا، خرجت الفتاة لتبيع الكبريت بشوارع المدينة، ولكن سكان المدينة نزعت الرحمة والشفقة من قلوبهم، ومازالت الفتاة تنادي وتطلب منهم: “اشتروا مني الكبريت، إنه ليس باهظ الثمن وجودته عالية”، راجية من الله أن تتمكن من بيعه كله حتى تستطيع العودة إلى الدار هربا من البرودة التي تعم الأجواء، شفق عليها رجل طيب فاشترى منها حزمة واحدة من الكبريت الذي بحوزتها وأعطاها نقودا كثيرا وطلب منها أن تعود إلى المنزل خوفا عليها من شدة البرد، رفضت أحلام بعزة نفسها المال الكثير الذي لا تستحقه قائلة: “يا سيدي إنني بائعة كبريت ولست متسولة”.
فأجابها الرجل: “ومن قال أني أعطيتك المال لأنك متسولة، إنني سآخذ كل الكبريت الذي بحوزتك”.
أحلام: “ولكن الكبريت كثير جدا يا سيدي فما الداعي لشرائه وتكلفة نفسك، هل تنوي يا سيدي المتاجرة فيه؟”.
الرجل طيب القلب: “اقبليه هدية مني يا ابنتي، واذهبي إلى بيتكِ مسرعة”.
جبروت الرجل المتسلط:
عادت أحلام إلى المنزل وأعطت الرجل المال الذي أعطاها إياه الرجل طيب القلب، ولكن الرجل المتسلط ردها مرة ثانية لتبيع الكبريت بعدما ضربها كثيرا، ولكن حذائها كان قديما ورثا ولا تستطيع السير به على الثلوج، وعندما أعلمته بحال حذائها زجرها وأعطاها حذاءا قديما وكبيرا جدا عليها يعود لوالدتها المتوفاة.
وفاة الفتاة المسكينة:
عادت أحلام إلى البرودة ثانية، ولم تجد أحدا يشتري منها ثقبا واحدا، خافت أن تعود إلى المنزل بسبب الرجل المتسلط، والبرد القارص جمد جسدها الصغير، فلم تستطع السير ولا حتى خطوة واحدة، والشوارع خالية من الناس من العواصف الثلجية والبرودة القارصة؛ لجأت أحلام إلى مكان بأحد الشوارع وجلست فيه وكل أجزاء جسدها ترتعد من شدة البرودة؛ فأخذت أحلام تستخدم أعواد الثقاب لتدفئ نفسها، وعندما أصبح صباح اليوم التالي وجدها سكان المدينة وقد وافت المنية حالها كحال والدها ووالدتها وجدتها، لقد تعرفوا عليها إنها بائعة الكبريت؛ لقد تركت أحلام الدنيا التي لم تجد فيها أحدا يحنو عليها بعد وفاة أحبائها.