اثنان من قصص جحا المضحكة والمعبرة من أجمل ما يكون على الإطلاق
إن جحا شخصية خيالية جاءت إلينا من التراث الشعبي في كثير من الثقافات القديمة، وشخصية جحا نسبت إلى الكثير من الأشخاص والذين عاشوا في عصور مختلفة وفي أزمان غير متشابهة.
وكل الأمم والشعوب صممت لها “جحا” مناسبا ومتلائما مع طبيعة تلك الأمم والشعوب ومتماشيا مع طبيعة الحياة الاجتماعية بها؛ قد تختلف الأسماء وقد تختلف القصص والحكايات والنوادر ولكن تبقى شخصية “جحا” الذكي البارع الذي يدعي الحماقة ليحصل على كل ما يريد.
القصــــــــة الأولى:
في أحد الأيام طرق رجل بدين للغاية باب منزل جحا، وإذا بجحا يفتح له الباب ففوجئ بوجود شخص بدين للغاية أمام منزله…
فسأله جحا في تعجب: “من أنت؟!، وماذا تريد؟!”
فأجابه الرجل: “إنني قد جئت من بلد بعيد للغاية وقد توقفت هنا أمام منزلك من شدة التعب وعناء السفر الطويل، رغبت في أخذ بعض الاستراحة قبل أن أكمل طريقي”.
رحب جحا بالرجل أحسن ترحاب، وعندما حان وقت الغداء استأذنه ليحضر له بعض الطعام ليتناولاه سويا؛ في البداية جاء جحا بالخبز ووضعه على الطاولة أمام الرجل وذهب ليحضر أطباق الطعام.
وعندما عاد جحا بالأطباق المملوءة بشتى أنواعه الخضروات واللحم المطهي أيضا لم يجد الخبز الذي كان قد وضعه أمام الرجل منذ قليل، لقد كان قد التهمه كله الضيف البدين ولم يبقي منه شيئا.
ذهب جحا مسرعا لإحضار خبز غيره، ولكنه عندما عاد وجد أن الرجل قد التهم كامل الأطباق والتي كانت مليئة للغاية ولم يترك منها شيئا؛ كان بيد جحا الخبز ولكنه نظر للأطباق فوجدها فارغة!
أمسك بالأطباق بعدما وضع الخبز على الطاولة وذهب ليملأها ثانية، ولكنه عندما عاد لم يجد الخبز مجددا، وعندما عاد لم يجد أثرا للخبز الذي كان قد وضعه للتو، وتكرر هذا الأمر مع جحا عدة مرات حتى لم يتبق بداره أي طعام ولا حتى قطعة خبز واحدة!
سأله جحا: “هلا أخبرتني إلى أين تذهب في رحلتك هذه؟!”
فأجابه الرجل البدين: “إنني سمعت أن في هذه المدينة طبيب بارع للغاية، فجئت إليه ليعالجني مما ألم بي، إنني فقدت قابليتي للطعام من مدة طويلة، فقدمته إليه ليعالجني من مرضي الذي كرهني في الحياة فتعود إلي شهيتي من جديد وأهنأ بالحياة مجددا”.
فقال جحا وقد جحظت عيناه: “يا لك من مسكين يا هذا، حقا إن لونك شاحب وجسدك هزيل للغاية، اذهب في الحال فعليك بالعلاج الآن”.
فقال الرجل البدين: “بكل تأكيد سأذهب للعلاج ولكني سأعود إليك لأمكث معك شهر أو شهرين وأستفيد من هواء بلدتكم النقي المنعش هذا وطعامك الشهي اللذيذ الذي تعده”.
فقال جحا: “ولكني آسف للغاية يا هذا فإني مغادر بلدتنا الآن وذاهب لبلدة أخرى، وسأمكث بها مدة طويلة ولا أظن أننا سنتقابل مجددا لذا صحبتك السلامة من الآن”.
العبرة من القصة:
بالحكمة والذكاء يستطيع الإنسان تغيير الظروف مهما كانت لصالحه، كل ما يلزمه استخدام ذكائه بحكمة بالغة.
القصـــة الثانيــــــة:
في ليلة من الليالي طلب جحا من زوجته أن تعد له حماره لأنه ذاهبا للسوق المجاور بعد الفجر مباشرة. فقال لها: “أعدي الحمار مشبقا للسفر به، وفي حالة الجو كان طيبا سأذهب للمزرعة حين عودتي” طلبت منه زوجته أن يقول إن شاء الله قائلة: “يا جحا أنت دوما هكذا؟!، لماذا لا تقل ولو لمرة واحدة إن شاء الله؟!”
رمقها جحا بنظرة مزرية واتكأ على سريره وسرعان ما غاص في نوم عميق لأبعد الحدود في حين انصرفت زوجته لتعد له لوازم السفر ولكنها كانت مستاءة من سوء رده عليها. وفي الصباح الباكر كما كان متوقعا جحا استيقظ فأخذ نقوده التي كان قد أعدها مسبقا وركب حماره وانطلق في طريقه؛ وأثناء طريقه تقابل معه مجموعة من الفرسان الأقوياء، سأله أحدهم قائلا: “يا هذا هل أخبرتنا كيف نذهب للقرية؟”
تجاهلهم جحا ولم يكلف خاطره ويرد عليهم، فكرر أحد الفرسان سؤاله عليه ربما لم يسمعه، فأجاب عليهم جحا بلا اكتراث ولا اهتمام: “لا أعلم”! فتضايقوا جميعا منه وهم أحدهم فقام بلوي ذراعه، ووكزه في جنبه وقال له: “سر بنا إلى القرية في الحال وإلا ما تركناك سليما في شيء”!
ولم يكن أمام جحا إلا أن يدلهم على طريق القرية بأن يسير أمامهم ولكنه كان يلعن حظه التعس الذي قاده إلى طريقهم؛ وما إن اقتربوا من الوصول للقرية حتى هطل مطر غزير فانغمسوا في المياه من رؤوسهم وحتى أخمص أقدامهم، وفجأة تعثر حماره بفعل الأمطار فانكفأ جحا على وجهه من على ظهر الحمار، شرع جحا في البكاء وهو يحاول مساعدة حماره على النهوض.
وما إن نهض حماره حتى تحسس جحا كيس نقوده فلم يجده، فأخذ يبحث عنه يمينا ويسارا ولكن دون فائدة ترجى؛ أخذ يندب حظه العسر طوال طريق عودته لقريته، ولم يطمئن نسبيا إلا عندما صار بقريته حيث أن كل ما حدث معه لم يكن على الخاطر ولا في الحسبان.
وأخيرا وصل جحا لباب منزله وهو مريضا وجريحا وموجعا بكل مكان بجسده، فطرق الباب فقالت زوجته: “من الطارق؟” فأجابها زوجها: “إنني جحا، افتحي إن شاء الله”!!
العبرة من القصة:
علينا دوما العمل بكل ما جاء بديننا الحنيف حتى لا يصيبنا الندم الموجع للقلوب…
قال تعالى سبحانه وتعالى في سورة الكهف: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا، إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا).
اقرأ أيضا عزيزنا القارئ:
وأيضا… حكايات جحا المضحكة