قصص حب من الواقع قصة الزوجة الوفية
الحب شيء جميل وسامٍ، وخصوصًا حب الرجل لزوجته وحب الزوجة لزوجها، فالحب هو أساس إقامة البيوت، فالبيوت التي تُبنى على الحب هي البيوت التي يكمل نموها، والبيوت التي تُبنى على الشقاق تنهدم فوق رؤوس أصحابها، والزوجة الذكية هي من تخفف من جراح زوجها وتتقرب منه حتى يلين لها، والرجل الذكي هو من يهب لزوجته الحب ولا يدعها كذلك، فالحب الطاهر هذا لا بد أن ينمو في قلوب المحبين، لا أن يضمر ويفسد.
وقصة اليوم هي حديث عن امرأة وهبت نفسها لزوجها كي تكون معه إلى الأبد لا يفرق بينهما إلا الموت، فأحبت زوجها حبًّا شديدًا جدًّا، يُكْتَب في الروايات والقصص، هذه المرأة تحملت مع زوجها سنين صعاب لا يمكن أن تتحملها إلا امرأة مخلصة تحب الخير لزوجها وتحب له النماء والبركة، فهي قصة مثيرة ومشوقة جدًّا وهي أمامك الآن أيها القارئ الكريم:
قصة الزوجة الوفية
حين رجعت إلى البيت ذات مساء كانت زوجي في انتظاري وكانت قد رتبت البيت وأعدت طعام العشاء، فأمسكت بيديها وأخبرتها بأن عندي ما أقوله لها، فجلست في هدوء وهي تنظر إليَّ بعيني ألمح فيهما الألم، وفي مفاجأة قد أحسست أن الكلمات قد توقفت من على لساني فلم أستطع جوابًا ولا كلامًا، غير أنه يجب أن أخبرها ما أنتوي عليه وما عزمت عليه من أمر الطلاق، فخرجت تلك الكلمات من فمي بهدوء، غير أن زوجي لم يبد عليها علامات المفاجأة بل كانت هادئة وقالت لي في هدوء شديد: لماذا؟! فما كان مني إلا أن نظرت إليها نظرًا طويلًا غير أنني تجاهلت هذا السؤال؛ مما أدى بها إلى أن تغضب وألقت الطعام وأخذت تصرخ في وجهي أنت لست في عداد الرجال، وتلك الليلة لم نتحدث بعدها طول الليل، فكانت زوجتي تبكي بكاءً مرًّا وهذا من حقها فهي تريد أن تعلم ما الذي حدث ولماذا عزمت على هذا الفعل الغريب وأقدمت هذا الإقدام على هذا الأمر المشين، غير أنني لم أستطع أن أعطيها جوابًا على هذا السؤال، فلم تصبح زوجتي تستطيع أن تملك قلبي بل كان قلبي مع امرأة أخرى غيرها، فقد أحسست في هذا الوقت أنني لم أعد أحب زوجتي، وكان شعوري ناحيتها بأننا صرنا كالأغراب بعضنا عن بعض.
في صبيحة اليوم التالي وبشعور كبير بالخطيئة يتملكني ناحية زوجتي، قمت بتقديم أوراق الطلاق لزوجتي كي تقوم بالتوقيع عليها، وفي هذه الأوراق تنازلت عليها عن البيت وعن السيارة وعن خمسين بالمئة من أسهم شركتي، فقامت زوجتي بإلقاء نظرة عابرة على هذه الأوراق ثم قامت بتقطيعها وتمزيقها ورمتها أمام عيني، شعرت بأسف شديد عليها، وفي الأخير انفجرت زوجي بالبكاء الشديد الذي كان من المتوقع أن تفعله، وكان هذا الأمر بالنسبة لي مصدر راحة فهو إن دل فإنما يدل على أن الأمر الذي رادوني منذ عدة أسابيع وهو أمر الطلاق قد صار واقعًا هذه اللحظات.
وفي صبيحة اليوم التالي رجعت إلى البيت في ساعة متأخرة من الليل؛ لأجد زوجتي تكتب بعض الأشياء، لم أقم بتناول الطعام ليلتها وقمت فورًا إلى السرير، وسريعًا أغرقني النوم فقد كنت في قمة الإجهاد، حيث قضيت اليوم مع المرأة الجديدة التي سأتزوجها يومًا جميلًا، وحين فتحت عيني في منتصف الليل وجدت زوجتي لا زالت تكتب شيئًا، وأنا لم أهتم لها ولم أهتم بما تكتب وأكملت نومي حتى الصباح، وفي الصباح جاءت زوجتي وقدمت لي بعض الشروط لكي تقبل الطلاق، لم تكن تريد مني أكثر من شهر كمهلة ثم بعدها أفعل ما أفعل.
وطلبت مني كذلك أنه في هذا الشهر علينا أن نفعل ما بوسعنا أن نفعلها لكي نعيش حياة طبيعية قدر الإمكان كأي متزوجين عاديين، وسبب هذا الأمر أن ابننا كان سيخضع لبعض الاختبارات في المدرسة وهي لا تريد أن يؤثر قرار الطلاق على مستوى ابننا في المدرسة، غير أنها أخبرتني بأنها تريد أمرًا آخر، حيث طلبت مني أن أذكر كيف أنني حملتها بين ذراعي في أول يوم زواج لنا وكنت أحملها كل يوم لمدة شهر كامل شهر العسل، ظننت أنها جُنَّت وفقدت عقلها، لكنني نفذت طلبها حتى تنقضي هذه المهلة.
أخبرت خطيبتي عما طلبت مني زوجتي فضحكت مما طلبته وقالت لي: إن ما تطلبه زوجتك شيء في قمة السخافة وهي لن تغير من أمر الطلاق شيئًا مهما فعلت، ثم لما رجعت البيت وعلى اتفاقنا حملتها بين يديَّ فإذا بولدنا يصفق وهو يقول: والدي يحمل أمي على ذراعيه، فأثرت فيَّ كلمات ابني تأثيرًا كبيرًا.
وفي صبيحة اليوم التالي تصرفنا كما لو كانت الحياة طبيعية جدًّا، وتحدثنا وتضاحكنا وكلم أحدنا الآخر وجرت بيننا مداعبات جميلة، فثارت في نفسي ذكرياتنا القديمة وأخذت نفسي تثور وتجيش بما كان فيها من ماض جميل قلت في نفسي ساعتها: ليته يعود.
وفي اليوم التالي حين قمت بحملها شعرت بإحساس المودة يملك نفسي ناحيتها، إنها تلك المرأة التي وهبت لي عشر سنين من عمرها.
وفي الأيام التالية أحسست بأن شعور الألفة والمودة يكبر بداخلي ويتكون من جديد، وفي هذه المدة لم أكن أخبر خطيبتي بهذه التغيرات التي تحصل لي يومًا فيومًا.
وفي صباح يوم من الأيام قعدت أنا وزوجتي وهي تختار لنفسها ماذا ستقوم بلبسه، فإذا بها تجد كل ملابسها صارت أكبر عليها؛ لأن جسمها صار نحيلًا ضعيفًا، فأدركت أنها كم تحملت من أجلي الكثير من الآلام والصعاب حتى نحف جسمها، وفي هذه اللحظة دخل ابننا وهو يقول: يا أبي، لقد حان موعدك لكي تقوم بحمل أمي خارج الغرفة، فطلبت زوجي من ابننا أن يقترب منها فاحتضنته بقوة كبيرة وحملته بين يديها، وشعرت بشعور عظيم جدًّا من المودة والألفة لعلني لم أشعر به إلا هذه الساعة.
بعدها قمت بقيادة سيارتي وذهبت إلى خطيبتي وأخبرتها بأنه لم يمكن أن أُكْمِلَ معها فأنا لا أستطيع الاستغناء أبدًا عن زوجتي مهما حدث، فغضبت غضبًا شديدًا وقالت لي: هل أنت مصاب بحمى؟ فقلت لها: لا، بل هي نار حبي لزوجتي، ثم تركتها ومضيت، ثم ذهبت إلى بائع الورود واخترت باقة جميلة جدًّا من الأزهار، ثم انطلقت إلى البيت مباشرة وفاجأت بها زوجتي التي سعدت كثيرًا بهذه الورود، واعتقتني بقوة وهي تقول سوف نكون معًا دائمًا لن نفترق إلى الأبد.
كانت هذه قصة اليوم، وكما ترى فيها من المشوقات ما فيها وفيها من الأمور الغريبة التي قلبت الأمر رأسًا على عقب ما فيها، وكان ذلك كله بعد توفيق الله بفضل حنكة الزوجة ومحبتها لزوجها وأنها لا تريد أن تهدم بيتها الذي بُنِيَ على الحب مدة عشر سنوات وكافحت مع زوجها حتى وصل إلى المكانة التي هو فيها الآن، فهذه قصة كفاح زوجة صابرة تحب زوجها وتتمنى له الخير دائمًا وأبدًا.