قصص طويلة بعنوان يوم لن يمحى من الذاكرة!
كل يراك بعين طبعه وبقدر محبتك بقلبه، فإنك ستجد بحياتك من يراك أطيب الناس، كما أنك ستجد من يراك أسوأهم أيضا!
ستفاجأ في حياتك بأشخاص ينسون خمسين موقفا جميلا منك فقط لأنك قصرت مرة واحدة معهم، كما أنك ستجد أشخاصا يبحثون لك عن ألف عذر ليظهروا لك ولغيرك كم أنت جميل.
ستقابل بحياتك أشخاص لا يكفون عن انتقادك على الإطلاق، وآخرون لا يكفيهم مئات العبارات الجميلة في وصفك.
إنك ستقابل أشخاصا بحياتك يكرهونك بدون أي أسباب، وأشخاص يخلقون أسبابا لمحبتك، وبعد كل ذلك أنت نفس الشخص، ولكن كل عين تراك على قدر محبتها لك، وكل يراك من الزاوية التي تقف فيها بقلبه!
القصـــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
كانوا ينادونني بالسوداء!، تلك الكلمة التي لم أسمع غيرها…
في المرحلة الابتدائية كنت أسمعها ولا ألقي لها بالا، لم أكن حينها علمت مدى أثرها السيء على نفسي، ولكن بعد زمن قريب للغاية بدأت أشعر بالضيق من هذه الكلمة والتي كانت على نفسي بمثابة وصمة عار!
اسمي “هدير” وعمري خمسة وعشرون عاما، كان والدي على الدوام بالخارج لعمله، وأمي من كانت تهتم لأمرنا وترعانا وكانت بالنسبة لنا بمثابة أم وأب؛ المشكلة الوحيدة كانت تنحصر في أن “نورا” و”ياسمينا” كانتا تمتلكان بشرة بيضاء ناصعة كبشرة والدتي، أما أنا فبشرتي كانت سوداء كبشرة والدي!
لأوقات كثيرة أيقنت حتى والدتي لا تشعر بالرضا لكوني أشبه والدي!، منذ صغري كنت أسمع منها كلاما جارحا بصفة مستمرة، كانت تلومني على خلقتي وكأني أنا من انتقيتها (لا سمح الله).
كنت أبكي سرا، وجميع من حولي أوصلوني لحالة أنني كنت أتحدث إلى نفسي وأسألها على الدوام: “لماذا أنا تحديدا؟! لماذا أنا بكل هذه البشاعة؟!”
وأغرب شيء أنني كلما سألت نفسي هذه النوعية من الأسئلة كلما ازداد قبحي!
كنت على الدوام وحيدة، فكلمات من حولي جعلني أفقد الثقة كليا بنفسي، لم أكن أمتلك ولا صديقة واحدة تخفف عني هول ما ألقى، ولكن كانت لدي هواية تسعدني كثيرا وسط كل هذه الآلام، لقد كنت أجد عزائي الوحيد في مضايقة زميلاتي، كنت أسلبهن أشيائهن الخاصة علاوة على كوني أقرصهن بأجسادهن على الدوام لأشعرهن ولو بشيء قليل من الألم الذي أجد بسببهن!
وبين الحين والآخر كانت ترسل إدارة مدرستي استدعاء لوالدتي، والدتي التي لم تعرف شيئا إلا الضرب، كانت على الدوام تصرخ في وجهي قائلة: “ألا يوجد بكِ أي فائدة؟! لماذا تأخذين كل شيء فيه بهذه الطريقة؟!”
كنت أشعر أنها لا تحب والدي وتكرهني نفس كرهها له، وفي المقابل كان يسعدني ذلك الشعور كثيرا لكوني أنغص عليها عيشها وكوني الوحيدة المشاغبة بمنزلنا وبمدرستي بأكملها!
لقد كنت أحظى بشهرة واسعة، ولقي هذا الشعور بداخلي استحسان كبير فبالغت في فعل ذلك، كنت أعلم أن ما أفعله خاطئ كليا ولكنهم لم يتركوا لي شيئا آخر أشعر بنفسي من خلاله؛ كلما حاول أخصائي معالجتي والوصول معي لحل كنت أشعر بخيبة الأمل فيهم جميعا، إنني لست بالمريضة ليتعاملوا معي بهذا الشكل.
لقد كانوا سببا في كثير من المعتقدات التي ترسخت بداخلي، أوقن أنني قبيحة وأنه لن يتزوج بي أحد، كما أوقن بمدى كرهي لإخوتي لكونهما أجمل مني بسنين ضوئية!
وفي يوم من الأيام نادى علي مدرب كرة السلة باسمي، هدير.. لقد أجبته بكل برود حينها كنت أبلغ من العمر عشرة أعوام وكل هذا الحنق بداخلي!
سألني: “ماذا بكِ؟!”، لقد كان رجلا عجوزا، لم يكن ليسألني أحدا عما بي من قبل!
تعجبت من سؤاله ولكوني لم أتعود على هذا من قبل أجبته ببرود تام: “لا شيء”!
فسألني قائلا: “لماذا أنتِ هكذا إذاً؟!”
فأجبته بغضب: “إن شكلي هكذا، لقد خلقني الله هكذا”!
ابتسم في وجهي وقال: “لا أسأل عن شكلكِ، لماذا أنتِ حزينة كل هذا الحزن الذي ينعكس على وجهكِ؟!”
يا الله وأخيرا لاحظ أحد بهذه الحياة القاسية أنني حزينة كل هذا الحزن؟!، فأجبته: “ولماذا لا حزن وأنا لا أجد أحدا يحبني بهذه الحياة؟!”
فقال: “إنه لشعور صعب للغاية ألا يحبكِ أحد بهذه الحياة”، بادرت بالرحيل على الرغم من صغر سني إلا إنني أبيت أن أجعله يرى الدموع التي ستتساقط من عيناي، وباليوم التالي تغيبت ولم أّهب للتدريب، وكعادة أمي الدائمة معي لم تنتبه من الأساس!
ولكن بعد يومين عدت للمدرب وسألته: “لماذا يكره الجميع سماري؟! هل ذنبي أني سمراء؟!”
فأجابني إجابة كان النور حينها يشع من وجهه: “لقد قال تعالى في كتابه العزيز بسورة الفرقان (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)؛ إن الناس كل امتحان للآخر، أتدرين عندي إصابة بذراعي من سنين تركت إثرها لعب كرة السلة وتعرضت للتنمر من يومها، هذا ابتلاء إذا قابلتيه بالرضا ستصبحين أكثر من رائعة”.
حينما سألته عن كيفية الرضا وشكوت من كثرة التنمر ومن قلبي الذي تآكل بسبب ذلك، أجابني إجابة ولا أروع منها: “دعي الجميع تكون أمنيتهم الوحيدة أن يكونوا مثلك”.
ومن ذلك اليوم اتخذت أهم قرار في حياتي ألا أترك فرضا ولا نافلة إلا وأديتها، وعلى الدوام أدرس بكل جدية وحزم، وما هي إلا مدة زمنية قليلة ولمست ثمار اجتهادي بيدي، في البداية لم يتوقف التنمر على الإطلاق شرعوا في مضايقتي بأنني أحاول أن أجتهد ليقولوا عني مجتهدة، لم أبالي بكلامهم نهائيا، وبالفعل صرت من الأوائل وحافظت على ترتيبي كل عام.
كان المدرب عقيما لم ينجب أولادا صرت ابنة له، كنت مع والدتي أزوره وزوجته بمنزله بين الحين والآخر، أمي صارت تنصح إخوتي بأن يصيروا مثلي يحافظن على الصلاة ويجتهدن بالمذاكرة.
التحقت بكلية الطب وهناك قابلت شاب كان أباه مصريا وأمه أجنبية مسلمة من لندن، أعجب بي لقد كان أبيض اللون بعيون زرقاء طويل القامة وسيم للغاية ورث كل جينات والدته، طلبت منه الابتعاد عني وما زاده إلا إصرارا، وجدته ووالده بمنزلنا لطلب يدي للزواج!
تزوجنا وسافرنا لندن وهناك أتممت الدراسات العليا، ولازال المدرب لا يفارقني على الرغم من رحيله عن الحياة، أتصدق على روحه وأقرأ له القرآن حتى أنني حججت له، لولا أنه استطاع أن يلمس الجانب المشرق بشخصيتي لما كنت على ما أنا عليه الآن.
سبحان الله لم يقدر الله له أبناء وجعلني في طريقه لأكون له بمثابة ابنته مثلما كان لي الأب الروحي وغير لي حياتي بأكملها.
اقرأ أيضا عزيزنا القارئ مزيدا من القصص الطويلة المعبرة للغاية:
قصص طويلة بعنوان وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان
وأيضا/ قصص طويلة ومضحكة لن تندم على قراءتها مطلقا
قصص طويلة بعنوان الحب في أسمى صوره