نحتاج من حين لآخر الخروج بأنفسنا إلى عالم الخيال والمتعة من أجل تجديد الأمل بداخلنا، إنها حقا رحلة شيقة ومثيرة للعقل والوجدان ولثمراتها الكثير من النفع العائد علينا، ولاسيما إذا كانت تلك الرحلة الخيالية هادفة.
أولا/ قصة بئر الأحلام:
بيوم من الأيام كانت هناك فتاة صغيرة ببداية العمر، كانت يتيمة الأم والأب ولكنها تمتلك طباعهما فقد حفظتها عن ظهر قلب، كانت تمتلك قلبا أبيضا وصافيا كالحليب، كانت نقية كنقاء نور الشمس، لم يكن لدى الفتاة أقارب فكانت تتكبد عناء العيش فكانت تبيع الزهور والورود الجميلة بمتجر قد استأجرته من امرأة غليظة القلب، كانت تلك السيدة كل يوم تنغص حياة تلك الفتاة البريئة، بحلول المساء كل يوم تقدم لتأخذ إيجار المتجر فتأخذ كل الأموال من الفتاة الصغيرة ولا يتبقى معها سوى بضعة نقود قليلة تشتري بها الخبز لتتقوت وتتمكن من البقاء على قيد الحياة؛ ولكن في أحد الأيام حدث شيء غريب مع الفتاة على غير العادة إنها لم تبيع ولا زهرة واحدة من المتجر وحينما جاءت السيدة البغيضة لتسألها عن إيجار المتجر توسلت إليها الفتاة راجية باكية في أن تمهلها مجرد يومين ليس أكثر حتى تتمكن بهما من تجميع النقود اللازمة لدفع الإيجار، وافقت السيدة بأعجوبة شديدة ورحلت.
بئر الأحلام:
وبتلك الليلة مكثت الفتاة غارقة في دموعها وفجأة سمعت صوتا يناديها فاقتربت من الصوت ومازال يناديها حتى تتبعته ووصلت إلى مصدر الصوت، لقد كان بئرا، فاندهشت الفتاة وبدأ البئر في الحديث معها، وفجأة خرجت من داخل البئر فتاة تشبه الملائكة في جمالها ونقائها وصفوها، سألت الفتاة البئر عن تلك التي خرجت منه للتو، فأجابها بأنها هي من الداخل، سعدت الفتاة كثيرا حيث أنها نقية من الداخل وأن الفتاة التي خرجت من البئر ما هي إلا انعكاس صورتها الداخلية.
أحلام الفتاة:
سألها البئر عن ثلاثة أمنيات بإمكانه تحقيقهم لأجلها، فكانت أمنيتها الأولى ألا يصبح فقير على الأرض وأن كل البشر يصبحوا أغنياء، والثانية أن تصبح هي أيضا ثرية ولديها الكثير من الأموال، والثالثة والأخيرة أن تعود لمنزلها سالمة غانمة، وبالفعل وصلت الفتاة إلى منزلها في لمحة من البصر، وعندما كانت فيه وجدت الكثير من الألماس والمجوهرات الثمينة الغالية كما تمنت، في صباح اليوم التالي ذهبت إلى مكان البئر لتشكره على كل ما قدم لها من خدمات ولكنها لم تجده.
تنفيذ مخططات ومشاريع:
انصرفت الفتاة ومضت قدما في طريقها، وأول ما فعلت اشترت المتجر من صاحبته وأعطتها فيه الكثير من المال، ومن ثم قامت بتحويله إلى معمل تزرع فيه الكثير من أنواع الورود والأزهار وبه الكثير من خلايا النحل لإنتاج عسل النحل الصافي؛ عمدت الفتاة إلى توسيع أعمالها وتشغيل الكثير من العاملين معها فازدهرت تجارتها لأنها إنسانة تحب الخير لكل الناس بلا استثناء.
ثانيا/ قصة البيت الأخير:
كان هناك رجلا يعمل في البناء، وبيوم من الأيام قدم إلى مديره بالعمل ليتحدث معه في أمر استقالته لكبر سنه، فوافق مديره في العمل على طلبه ولكنه اشترط عليه شرطا واحدا قبل تنفيذ طلبه وهو أن يبني للشركة المنزل الأخير وبعدها بإمكانه تقديم استقالته وقتما يريد، لم يرض الرجل بشرط مديره فامتعض ورغما عنه قام ببناء المنزل فأهمل في بنائه وإعداده، ولعدمت أنهى عمله اتضح على المنزل أنه قد صنع بغير إتقان مطلقا، لقد عمد الرجل على إنهائه في وقت وجيز للغاية حتى يحصل على الموافقة على طلب استقالته غير مباليا للأضرار التي يمكن أن يلحقها بمن سيسكن فيه، وكانت المفاجأة له قاسمة لظهره عندما ذهب إلى مديره ليخبره بأنه قد أنجز العمل المطلوب منه ويستأذنه بتلبية طلبه “الاستقالة” إذ أخبره المدير بأن المنزل الأخير الذي قام ببنائه هو هدية له من الشركة ومكافئة له على تفانيه في العمل طوال فترة عمله، وقع الخبر على مسامعه وقع الصاعقة كيف له أن يبني منزله بهذا السوء، لقد كان الجزاء له على عدم إخلاصه وإتقانه للعمل من عند الله سبحانه وتعالى، فقد تعمد الرجل على إنهاء المنزل بسرعة بالغة لينال استقالته ويستريح وله أنه علم أن المنزل سيكون له لأفنى فيه كل طاقته ومجهوده، هكذا العبد لا يخلص في عبادته لله ولو أنه علم أنها من ستنفعه يوم الحشر العظيم لأتقنها وتفانى في إتقانها.
عبد الحميد
ما شاء الله