إن القصص لدى الأطفال تلعب دوراً هاماً لما لها من تأثير قوي وفعال إذ تبعث بنفوسهم شعور البهجة والتشويق، فكل الأطفال يشتاقون بشغف لوقت سرد قصةٍ جديدة على أسماعهم.
قصة الحطاب الصدوق
كان هناك في قديم الزمان رجلاً فقيراً، أخلاقه القرءان ومنهجه سنة خير الأنام؛ في الصباح الباكر لكل يوم يحمل حاله مباشرةً بعد صلاة الفجر وأداء الأذكار ويذهب إلى الغابة ليجني حصاد عمله، إذ كان يعمل حطاباً يقوم بتقطيع بعض الفروع من أشجار الغابة الكثيفة، ويقوم ببيعها ليتقوت هو وزوجته وأطفاله الصغار، وهذا كان حاله كل يومٍ، وبعد الانتهاء من عمله يعود إلى منزله جالباً لأسرته قوت يومهم، كان حامداً شاكراً لأنعم الله؛ وذات يومٍ خرج الحطاب كعادته إلى عمله وبينما وهو يضرب بفأسه الأشجار ليقطعها جاءه رجل غريب لم يره من قبل يتذمر من الضجة التي يحدثها صوت الفأس أثناء ضربه للأشجار، فأخبره الحطاب أن لا حيلة بيده، وأن ما يفعله لإطعام أطفاله الصغار
فاتفق الرجل الغريب مع الحطاب على اتفاق، أن يعطيه شاه بها شيئاً غريباً إذ تحلب من ناحية لبناً صافياً ومن الناحية الأخرى تحلب عسلاً فيه لذةٍ للشاربين لإطعام الصغار مقابل ألا يأتي الحطاب مرةً أخرى إلى الغابة ليقطع الأخشاب ويصدر أصواتاً مزعجةً من جديد، بداية الأمر لم يصدقه الحطاب ولكن عندما ذهب إلى البيت تأكدا هو وزوجته من كلام الرجل، فحلبت الزوجة الشاه وقامت بإطعام زوجها وأبنائها لبناً وعسل، ولما أصبح الصبح أخذ الحطاب الشاة وأعطاها للراعي ليأخذها مع أغنامه لترعى معهم، ولكنه أخبر الراعي أن يأخذ باله من شاته لأنها ليست كمثيلاتها إذ أنها تحلب من ناحية لبنا ومن الناحية الأخرى عسلا، فكذبه الراعي، فأخبره الحطاب:”إن لم تصدقني فتأكد بنفسك من كلامي”
فلما تأكد الراعي من كلامه زاغت الشاه في نظره وعزم على استبدالها بأخرى لها نفس مواصفاتها، وعندما حلبت الزوجة الشاه لإطعام صغارها وجدتها عادية لا تحلب سوى اللبن فاشتكت لزوجها، فذهب الحطاب إلى الراعي ليأخذ منه شاته، فأنكر الراعي مما جعل الحطاب يشتكيه إلى القاضي فما كان من القاضي إلا أنه لم يصدق القصة من الأساس، فاستسلم الحطاب للأمر الواقع؛ وفي اليوم التالي عاد الحطاب لعمله السابق، ومع أول ضربة بالفأس جاءه الرجل الغريب مرة ثانية، وقال له:” ما الذي أتى بك من جديد إلى هنا؟ ألم تعطني وعداً بذلك؟”
فحكى الحطاب للرجل قصته مع الراعي؛ فأعطاه الرجل هذه المرة مكيالاً عجيبا كلما أراد ذهبا يطلب منه فيمتلئ، وعاد إلى زوجته فرحاً وطلب منها أن تستعير من جارتها قدراً حتى يضعا فيه الذهب ليأخذه إلى السوق ويشتري ما يلزم، فذهبت الزوجة إليها ولكن الجارة لديها مرض التدخل في شئون الغير ما جعلها تضع مادة لاصقة بقعر القدر لتعلم ماهية الشئ الذي سيضعانه بالقدر، ولما ردت الزوجة القدر إلى جارتها، وجدت الجارة قطعة من الذهب الخالص بقعره التي قامت بردها لأصحابها، ولكن الزوجة أبت أن تأخذها وأعطتها المزيد منه وأخبرتها بطيبة قلبها القصة كاملة، فطلبت الجارة المكيال من الزوجة لغرض ما وأنها ستقوم بإرجاعه فور الانتهاء، ولكن الجارة قامت باستبداله أيضا بمكيال مماثل
ولما طالبت الزوجة بالأصلي أنكرت الجارة الماكرة؛ وفي اليوم التالي عاد الحطاب إلى عادته القديمة “تقطيع الحطب” وأثناء عمله جاءه الرجل للمرة الثالثة وقبل أن يسأله أخبره الحطاب بكل شئٍ، فأعطاه الرجل سفرة سحرية هذه المرة وأوصاه بألا يتسرب السر هذه المرة لأي أحد، فرجع إلى زوجته مسرورا، وكانت الزوجة كلما يحين وقت الطعام تطلب من السفرة العجيبة ألوانا مختلفة من الطعام الشهي فتلبي السفرة جميع أوامرها، ولكن لم يدم السر طويلا وعرفه الجميع، فاستكثر أمير البلدة عليهما هذه السفرة واقتلعها منهما عنوة، فرجع إلى عمله أسفاً، وانتظر الرجل حتى جاءه ليشكي ما حل به من الأمير الظالم، استشاط الرجل غضباً وقال:”هذه المرة سأعطيك شيئا مختلفا عن جميع المرات السابقة”
فأعطاه سوطا وطلب منه أن يغلق على نفسه الغرفة ويسأل السوط الكثير من الذهب حتى تمتلئ الغرفة به وأنه مهما حدث لا يدخل عليه أحد من أهله، ففعل الحطاب وما كان من السوط إلا أن انهال عليه ضربا حتى تركه مطروحا في الأرض مغشيا عليه، ولما أفاق عزم على رميه بعيدا، ولكن زوجته اعترضت إذ خطرت ببالها فكرة ترد بها جميع حقوقهما المسلوبة، أشارت الزوجة الذكية على زوجها الحطاب أن يأخذ السوط العجيب إلى الراعي وأن يخبره أن يهش به الأغنام وألا يسأله عن الذهب مطلقا
فسأل الراعي السوط الذهب الكثير فانهال عليه ضربا ونطق السوط وأخبر الراعي بأنه لن يتوقف عن ضربه حتى يعيد الشاه إلى الحطاب، ففعل الراعي وأعادها هي والسوط؛ ثم استخدما نفس الحيلة مع الجارة الماكرة والأمير الجائر؛ وأشارت الزوجة على زوجها أن يغادرا البلدة بصغارهما وبأنعم الله عليهما إلى بلد جديد لا يعلم أهلها عنهما شئ، ففعلا وكانا في غاية السعادة والهناء، يساعدان خلق الله بما أنعما عليهما.