نقدم لكم هذه المقالة من موقع قصص واقعية تحت عنوان قصص قصيرة لغسان كنفاني القميص المسروق، فغسان كنفاني واحد من القصاصين الفلسطينيين الذين حافظوا على رسم صورة للشخصية الفلسطينية التي تعيش داخل الأرض المحتلة أو تعيش حياة المهجر ويحكي معاناته وواحدة من تلك القصص قصة القميص المسروق.
قصص قصيرة لغسان كنفاني
القميص المسروق
كان ابو عبد الرحمن كحال كل ليلة من ليالي الشتاء في المخيم يضرب بفأسه حافرًا خندقًا يبعد المياه عن خيمته التي تأوي أسرته، وربما كان بتلك الحيلة يهرب كما العادة أيضًا من زوجته وأسئلتها التي لا اجابة لها هل وجدت عمل؟، من أين لنا القدرة على أن نشتري قوتنا؟، وماذا عن عبد الرحمن؟، والإجابة واحدة أن لا عمل، وهنا تبدأ المقارنة لماذا وجد عمل أبو فلان وأبو علان لما ليس أنت؟، والرد نفسه هل اسرق حتى ألبي حاجاتك وحاجات عبد الرحمن.
ظل ابو عبد الرحمن يحدق في هذا الخندق ويرن في عقله هذا السؤال ولما لا لما لا أسرق؟، وبدأت تزداد الأفكار وهو ينسج فكرة السرقة حيث يقع بالقرب منه مخازن هيئة الاغاثة الدولية التي تكتظ بالمؤن والغذاء ومن المؤكد يمكن أن يلقى ثغرة يتسلل منها إلى المخازن والحصول علي بعض المؤن والملابس وبخاصة أن معلم عبد الرحمن أخبره أن تلك الاشياء من أناس عرف عنهم أنه ( يقتلون القتيل ويمشون في جنازته ).
اشتعلت الفكرة في رأس ابو عبد الرحمن حتى أنه وجد أن الوقت الحالي مناسب مع قرصة البرد والمطر مما يجعل من الحارس لا يهتم بالحراسة مما يتيح له الفرصة لإتمام ما انتوى عليه، ولكن فجأة وهو في خضم تلك الأفكار المتلاطمة ظهر هذا الصوت الكريه صوت أبو سمير وهو يسأله ماذا تفعل يا ابا العبد ومع عقله التائه كان رده أحفر طحينًا فانتبه لما قاله فعدله وقال أحفر خندقًا، وكم كان هذا الرجل خبيثًا وكريهًا لابا عبد الرحمن وهو يخبره بأن توزيع الطحين مازال عليه خمسة عشر يومًا حيث سيتم تأجيل توزيع الطحين عشرة أيام هذا الشهر إلا إذا كنت تبغي استعارة أحد الأكياس من مخازن الهيئة.
كم كان يضيق ابو عبد الرحمن بهذا الرجل ولكن بدأ ابو سمير يهذي بكلمات أقرب للجنون عن ان أكياس الطحين تخرج من تلقاء نفسها من المخازن وتمر من هنا وهو له نصيب فيها فضاق به أكثر، وهنا انتقل ابو سمير من الهذيان إلى الحديث العاقل فقال له انظر يا ابا العبد ما علينا سوى اخراج الأكياس والحارس سيعيننا بتسهيل الدخول والخروج وموظف الهيئة الأجنبي سيبيعها وكل يأخذ ماله.
كان هناك صراع دائر بين العقل والقلب لدى ابا عبد الرحمن، العقل يخبره بأن الامر أعقد وأعمق من عملية سرقة بسيطة، أما القلب فيشفق على عبد الرحمن ويرى الأحلام الوردية بالحصول على هذا المال وشراء قميص جديد لبعد الرحمن وإعتاقه من عمله في مسح الاحذية طوال النهار وإعتاق اسرته من حياة المخيمات.
عاد العقل للسيطرة وهو يحلل هل هذا هو السبب في كل هذه الكسرة والحسرة التي يمر بها سكان المخيمات حين يخبرهم موظف الهيئة الاجنبي أنه لا يوجد طحين كافي، هل يقومون بسرقته وبيعه لمن يقدر هل هذا سبب ما مر به كل ليلة مع زوجته وطفله ويمر به كافة سكان المخيمات، وهنا لم يجد ابو عبد الرحمن نفسه إلا وهو يهوي على رأس ابو سمير بالرفش الذي يحمله وهو يردد إن الطحين لن يتأخر توزيعه هذا الشهر، ودموعه تسيل على هذا الحلم بقميص جديد لعبد الرحمن.