إن حياتنا مليئة بالقصص الجميلة التي تحمل الكثير من العظات والعبر، القصص التي يلزمنا دائما مشاركتها للاستفادة منها جميعا.
قصة الطاحونة:
يٌحكى أنه كان هناك ثلاثة ولدوا وخرجوا للدنيا في يوم واحد، ولدين وفتاة وكان من عادة سكان الحواري حينها أن الأطفال الصغار يلعبون معا صبيانا وبناتا حتى سن السادسة وبعد ذلك السن يتم عزل الفتيات في المنازل ويتم منعهن من الخروج للشارع؛ كان دائما “رزق” يتذكرها عندما تحتاج اللعبة لثلاثة أصدقاء بينما “عبده” دائما ما اعتبرها حب طفولته إذ أنه لم يرى فتاة غيرها من صغره.
سنة الحياة:
لعب الصغيران معا، وذهبا للكتاب سويا ولكن بسبب الفروق المادية بينهما استطاع “عبده” إتمام شهادته الابتدائية على عكس “رزق” الذي منعه سوء أحوال أسرته المادية من إتمام دراسته، وعلى الرغم من كل تلك الصعوبات التي واجهتهما إلا أنهما استطاعا الحفاظ على صداقتهما.
تغيرات الأقدار:
تُوفي والد “عبده” الرجل الغني وتركه وحيدا إذ أنه لم ينجب غيره، وترك له مطحنة البن العملاقة وقد كان الوالد قد جهز صغيره استعدادا لتلك الأيام فعلمه المهنة على أصولها، كما ساعده العمال إحسانا وعرفانا بجميل والده المتوفى، ولكن “عبده” لم يستطع الاستغناء عن صديق عمره “رزق” فدوما ما كان له السند والرفيق والحماية، فمنذ صغر سنه وبمخيلته متشكلة فكرة عن صديق دربه “رزق” أنه الشخص الجريء الذي دائما ما يجده وقت الشدة والضيق.
عند حسن الظن:
وكل ما بدر من “رزق” بعد تسلمه للعمل الإخلاص والإتقان والتفاني في كل ما كلف به من أعمال شاقة وغير ذلك، دائما ما كان يثبت جدارته في كافة المناحي المطلوبة منه، فكان ذكيا فطنا شرب الصنعة قبل أن يرتد عليه بصره؛ برع في جلب البن الأخضر من أجود الأماكن له، وتحميصه وطحنه وأيضا توزيعه لأماكن متفرقة، كان دائما ما يبحث عن الصفقات المربحة ويبادر بأفكار جديدة لم يعهد الوقت مثيلا لها؛ ومن الجانب الآخر ركن “عبده” إليه ولم يلقي بالا لعمله ومصالحه حتى أن كل التجار لا يأخذون الكلمة إلا من “رزق”، فصاحب العمل شخصيا “عبده” لا يعرف شيئا عن عمله إلا منه، فقد كان يثق فيه ثقة عمياء لأبعد الحدود.
قرار الزواج من حب الحياة:
وبيوم من الأيام قرر “عبده” أن يتزوج من حب حياته، وكعادته يستشير “رزق” في كل أموره من صغر سنه، ولكن “رزق” أشار عليه بأنه يتوجب عليه أولا أن يسأل جيدا عن “ظريفة” وأسرتها قبل الزواج منها، فتعجب “عبده” من قرار صديقه، فكيف يسأل عن رفيقة دربهما منذ الصغر، فهما الاثنان أكثر الناس علما بها وبخلقها.
طول الأمد:
ومازال “عبده” ينتظر جواب الرد من “رزق” الذي طال انتظاره، وتظهر عليه كل علامات التلهف على الفتاة إذ أنه من صغره لم يرى فتاة غيرها بالرغم من كل ما رأى من فتيات حسان؛ وبيوم قدم “رزق” إلى الطاحونة وتظهر على وجهه علامات الحزن الدفين التي استنكرها منه “عبده”، فسرعان ما هم تجاهه ليطمئن قلبه، وأول ما سأله سأله عن الفتاة وأسرتها، فأجابه “رزق” بأنها لا تصلح زوجة له ولا تصلح لأن تحمل اسمه واسم عائلته؛ فحزن “عبده” حزنا شديدا وأخبر صديقه بأنه يريدها من كل قلبه ولن يتخذ زوجة له غيرها، فهي منذ أن عرفها وهي ملاك يمشي على الأرض بهيئة بشرية.
مفاجأة صادمة:
وبيوم من الأيام وأثناء جلوس “عبده” بمطحنته تعالت أصوات الزغاريد، وعندما سأل علم أنه يوم عقد قران “رزق” على “حفيظة” إذ أن “رزق” بتلك الأيام كان منقطعا عن عمله بسبب مرض ألم به؛ فتعالت أصواته بجنون على كل العمال لديه، وتوعد صديقه أمام الجميع بأنه ليس له لقمة عيش عنده بعد الآن.
أخطاء بالحياة:
قام أحد أقارب “رزق” بالذهاب إلى “عبده” لتوضيح سوء التفاهم بينهما، وأن ما فعله صديقه “رزق” لا بدافع الأنانية ولكن بدافع خوفه عليه عندما علم بشدة تمسكه بالفتاة بالرغم من كافة تحرياته عنها والتي قد قدمها له، فلم يجد سوى حل الزواج منها لإنقاذ صديقه من ضياع محتوم؛ ولكنه لم يسامحه على الخطأ الذي اقترفه بحقه، ولكن سرعان ما أدرك أن العمل لا يصلح بدونه، وفاجأ الجميع حينما تزوج من أم الفتاة.