نزار بن توفيق القباني ولد في عام 1419هجريا الموافق لعام 1923 ميلاديا، وهو شاعر دبلوماسي معاصر، ولد بسوريا في أسرة دمشقية عريقة الأصل، يقول القباني رحمه الله تعالى أنه ورث ميوله الشعرية والفنية عن أبيه وجده؛ وأثناء صغر سنه عشق وتوجه لميول كثيرة، فقد عشق الرسم وألوان الطبيعة ورجع ذلك إلى وجود حديقة بمنزل أسراه الدمشقية عامر بالزروع والأزهار الشامية وله ديوان عظيم بعنوان “الرسم بالكلمات” من كثرة عشقه لفن الرسم؛ كما عشق الموسيقى وتعلم الموسيقى ودرس على يد أستاذ خاص كل قواعد العزف والتلحين على العود، ولكنه عندما التحق بالمرحلة الثانوية انتهج مسلكا آخر ورسا عليه “الشعر”، فحفظ شعر كبار الشعراء أمثال: “عمر بن أبي ربيعة، قيس ابن الملوح، جميل بثينة وطرفة ابن العبد، ودرس النحو والصرف والبديع على أصولهم على يد الشاعر الكبير “خليل مردم بيك”.
نزار قباني
كتب “نزار قباني” في مذكراته التي عرفت لاحقا أنه كانت لديه شقيقة “وصال” انتحرت بسبب زواجها لرجل رغما عنها، وذلك كان سببا رئيسيا في أشعاره التي عبرت عن المرأة بفلسفة عشقية ومدى صراعها لتحقيق ذاتها وأنوثتها، لقد جعل “نزار قباني” فاجعة وفاة شقيقته سرا ولم يكشف عنه أبدا غير أنه قال أنها توفيت إثر مرض بقلبها، ولكن هناك امرأة تُدعى “كوليت خوري” كشفت كل الأسرار حول ميتتها المؤلمة، وقد وصف “نزار قباني” في مذكراته حادثة وفاة شقيقته قائلا: “صورة أختي وهي تموت من أجل الحُبّ محفورة في لحمي… كانت في ميتتها أجمل من رابعة العدويّة”.
أعماله:
وأول ديوان لنزار قباني كان بعنوان “وقالت لي السمراء” حيث أصدره في عام 1944 ميلاديا، وقد تضمن العديد من القصائد منها:
- ورقة إلى القارئ.
- مذعورة الفستان.
- مكابرة.
- الموعد الأول.
- اكتبي لي.
- أمام قصرها.
- اندفاع.
- أنا محرومة.
- في المقهى.
- اسمها.
حب حياته:
إن “نزار القباني” دائما ما تغنى شعره بالمرأة حيث كتب أجمل وأروع كلمات لها وعنها بقصائده، ولكن في بوم من الأيام كان “نزار” يلقي قصيدة كان قد كتبها في عاصمة العراق “بغداد” وقع في غرام امرأة جميلة “بلقيس” حيث أسرت قلبه من أول نظرة، وتقدم لطلب الزواج منها ولكن أبوها رفض زواجها من الشاعر السوري، ومرت الأيام ومازالت “بلقيس العراقية” آسرة لقلب “نزار” لدرجة أنه بأول زيارة له لبغداد ألقى فيها قصيدة تحمل كل معاني خيبة الأمل والرجاء برفض والد حبيبته لطلب الزواج بها، والتي كانت كلماتها:
وتلك الكلمات استحثت كل من بالعراق، فعمد الرئيس العراقي شخصيا إلى إرسال وزيرين من وزرائه إلى والد حبيبة قلب “نزار القباني” بلقيس لإقناعه بالموافقة على طلب زواج ابنته، وبالفعل تزوجا في عام 1969 ميلاديا.
نهاية حب حياته المأساوية:
وبيوم من الأيام بعدما أوصل زوجته إلى مقر عملها “السفارة العراقية ببيروت” وبمجرد وصوله إلى مكان عمله سمع صوتا متجليا صوتا زلزل كل الأنحاء والأرجاء من حوله، وعندما علم أن مصدر ذلك الصوت كان بسبب استهداف السفارة العراقية ونسفها أيقن في قرارة نفسه أنه خسر حب حياته للأبد، كتب أطول قصائده في نعيها قصيدة تحمل كل معاني الأسى والحزن، وقد كتبت بعض كلماتها على قبر حبيبته التي فارقت الحياة بفعل ظلم الظالمين الذين يسعون في الأرض فسادا.
قصيدة من ديوان “وقالت لي السمراء”:
قصيدة أحبك:
وما بين حُبٍّ وحُبٍّ.. أُحبُّكِ أنتِ..
وما بين واحدةٍ ودَّعَتْني..
وواحدةٍ سوف تأتي..
أُفتِّشُ عنكِ هنا.. وهناكْ..
كأنَّ الزمانَ الوحيدَ زمانُكِ أنتِ..
كأنَّ جميعَ الوعود تصبُّ بعينيكِ أنتِ..
فكيف أُفسِّرُ هذا الشعورَ الذي يعتريني
صباحَ مساءْ..
وكيف تمرّينَ بالبالِ، مثل الحمامةِ..
حينَ أكونُ بحَضْرة أحلى النساءْ؟
وما بينَ وعديْنِ.. وامرأتينِ..
وبينَ قطارٍ يجيء وآخرَ يمضي..
هنالكَ خمسُ دقائقَ..
أدعوك ِ فيها لفنجان شايٍ قُبيلَ السَفَرْ..
هنالكَ خمسُ دقائقْ..
بها أطمئنُّ عليكِ قليلا
وأشكو إليكِ همومي قليلا
وأشتُمُ فيها الزمانَ قليلا
هنالكَ خمسُ دقائقْ..
بها تقلبينَ حياتي قليلا
فماذا تسمّينَ هذا التشتُّتَ..
هذا التمزُّقَ..
هذا العذابَ الطويلا الطويلا..
وكيف تكونُ الخيانةُ حلاًّ؟
وكيف يكونُ النفاقُ جميلا؟…
وبين كلام الهوي في جميع اللّغاتْ
هناكَ كلامٌ يقالُ لأجلكِ أنتِ..
وشِعْرٌ.. سيربطه الدارسونَ بعصركِ أنتِ..
وما بين وقتِ النبيذ ووقتِ الكتابة.. يوجد وقتٌ
يكونُ به البحرُ ممتلئاً بالسنابلْ
وما بين نُقْطَة حِبْرٍ..
ونُقْطَة حِبْرٍ..
هنالكَ وقتٌ..
ننامُ معاً فيه، بين الفواصلْ..
وما بين فصل الخريف، وفصل الشتاءْ
هنالكَ فَصْلُ أُسَمِّيهِ فصلَ البكاءْ
تكون به النفسُ أقربَ من أيِّ وقتٍ مضى للسماءْ..
وفي اللحظات التي تتشابهُ فيها جميعُ النساءْ
كما تتشابهُ كلُّ الحروف على الآلة الكاتبهْ
وتصبحُ فيها ممارسةُ الجنسِ..
ضرباً سريعاً على الآلة الكاتبَهْ
وفي اللحظاتِ التي لا مواقفَ فيها..
ولا عشقَ، لا كرهَ، لا برقَ، لا رعدَ، لا شعرَ، لا نثرَ،
لا شيءَ فيها..
أُسافرْ خلفكِ، أدخلُ كلَّ المطاراتِ، أسألُ كلَّ الفنادق
عنكِ، فقد يتصادفُ أنَّكِ فيها…
وفي لحظاتِ القنوطِ، الهبوطِ، السقوطِ، الفراغ، الخِواءْ.
وفي لحظات انتحار الأماني، وموتِ الرجاءْ
وفي لحظات التناقضِ،
حين تصير الحبيباتُ، والحبُّ ضدّي..
وتصبحُ فيها القصائدُ ضدّي..
وتصبحُ – حتى النهودُ التي بايعتْني على العرش- ضدّي
وفي اللحظات التي أتسكَّعُ فيها على طُرُق الحزن وحدي..
أُفكِّر فيكِ لبضع ثوانٍ..
فتغدو حياتي حديقةَ وردِ..
وفي اللحظاتِ القليلةِ..
حين يفاجئني الشعرُ دونَ انتظارْ
وتصبحُ فيها الدقائقُ حُبْلى بألفِ انفجارْ
وتصبحُ فيها الكتابةُ فِعْلَ انتحارْ..
تطيرينَ مثل الفراشة بين الدفاتر والإصْبَعَيْنْْ
فكيف أقاتلُ خمسينَ عاماً على جبهتينْ؟
وكيفَ أبعثر لحمي على قارَّتين؟
وكيفَ أُجَاملُ غيركِ؟
كيفَ أجالسُ غيركِ؟
كيفَ أُضاجعُ غيركِ؟ كيفْ..
وأنتِ مسافرةٌ في عُرُوق اليدينْ…
وبين الجميلات من كل جنْسٍ ولونِ.
وبين مئات الوجوه التي أقنعتْني .. وما أقنعتْني
وما بين جرحٍ أُفتّشُ عنهُ، وجرحٍ يُفتّشُ عنِّي..
أفكّرُ في عصرك الذهبيِّ..
وعصرِ المانوليا، وعصرِ الشموع، وعصرِ البَخُورْ
وأحلم في عصرِكِ الكانَ أعظمَ كلّ العصورْ
فماذا تسمّينَ هذا الشعور؟
وكيفَ أفسِّرُ هذا الحُضُورَ الغيابَ، وهذا الغيابَ الحُضُورْ
وكيفَ أكونُ هنا.. وأكونً هناكْ؟
وكيف يريدونني أن أراهُمْ..
وليس على الأرض أنثى سواكْ
أُحبُّكِ.. حين أكونُ حبيبَ سواكِ..
وأشربُ نَخْبَكِ حين تصاحبني امرأةٌ للعشاءْ
ويعثر دوماً لساني..
فأهتُفُ باسمكِ حين أنادي عليها..
وأُشغِلُ نفسي خلال الطعامْ..
بدرس التشابه بين خطوط يديْكِ..
وبينَ خطوط يديها..
وأشعرُ أني أقومُ بِدَوْر المهرِجِ…
حين أُركّزُ شالَ الحرير على كتِفَيْها..
وأشعرُ أني أخونُ الحقيقةَ..
حين أقارنُ بين حنيني إليكِ، وبين حنيني إليها..
فماذا تسمّينَ هذا؟
ازدواجاً.. سقوطاً.. هروباً.. شذوذاً.. جنوناً..
وكيف أكونُ لديكِ؟
وأزعُمُ أنّي لديها..