قصص كفاح ونجاح بعنوان إصرار وإرادة حديدية لتغيير الواقع
هناك صنفان من الأشخاص بهذه الحياة، أحدهما من يستسلم ويرضى بالأمر الواقع، والصنف الآخر من يحاول جاهدا تغيير الواقع الأليم ليظفر بحسن وطيب العيش، وهذا لا يتعارض نهائيا مع الإيمان بالقضاء والقدر، فالسعي الجاد لتغيير الأمر الواقع لا يتنافى مع الرضا بقضاء الله سبحانه وتعالى وقدره على الإطلاق.
حياتنا مليئة بقصص كفاح ونجاح لأشخاص كثيرين استطاعوا من الممكن البسيط الوصول لما كان مستحيلا لآخرين، أشخاص سعوا وجدوا في السعي وحققوا كل أحلامهم.
من قصص كفاح ونجاح:
ربما يظن القارئ للوهلة الأولى أنها قصة حب وغرام أكثر من كونها قصة من قصص كفاح ونجاح، ولكن عند قراءتها ومعرفة كل تفاصيلها نجد أنها من أعظم قصص كفاح ونجاح على الإطلاق…
تمت خطبتها وكان عمرها حينها عشرون عاما، كانت تشعر حينها وكأنما حيزت لها الدنيا بحذافيرها، لم يكن على وجه الأرض من هو أكثر سعادة منها، مضى عام واحد على سعادتها الغامرة والتي كان في كل يوم يثبت لها أنها كانت على حق حينما اختارته وفضلته على العالمين.
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وقع حادث بين عائلتها وعائلته، نشب خلاف كبير بين العائلتين وقع ضحيته اثنين قتلى من عائلة الفتاة، كانت الحادثة لها وقع على نفسها كوقع الصاعقة، كانت تتمنى الموت أن يصيبها وتنتهي حياتها قبل أن ترى اليوم الذي تخير فيه بين سعادتها وبين موتها!
وجدت الفتاة الأمرين من أهلها الذين أجبروها وأرغموها على ترك خطيبها بعدما وقع من أهله والذي لم يكن مقصودا البتة، لم تجد مفرا من أهلها إلا أن تبعث بأشياء خطيبها وتعيدها إليه كافة، ومعها تخلت عن سعادتها وأحلامها وكل شيء آخر غيرها.
وكانت المصيبة الكبرى عندما أجمع أهلها على زواجها بابن عمها!، وكانت بالنسبة لها الطامة الكبرى ولكنها كانت قد استكفت من الحياة فوافقت بعد الكثير من محاولات الرفض التي باتت بينة وجلية حتى أمام ابن عمها، وفي نهاية المطاف استسلمت للأمر الواقع عليها وقبلت الزواج.
ويا ليتها لم تقبل بالزواج منه، فقد عاشت في نار جهنم ممثلة على أرض ربها، كان ابن عمها وعمها وأبنائه يذيقونها الويلات جرعات جرعات، باتت غير قادرة على التحمل أكثر من ذلك ولاسيما كانت قد وضعت ابنها الأول، في هذه اللحظة كان عليها أن تسطر حياتها بنفسها وألا تجعل لأي من أهلها الأحقية في التدخل في شئونها الخاصة وشئون ابنها.
ولأول مرة في حياتها تتقن قول لا قولا وعملا، أول ما فعلته طلبت الانفصال عن ابن عمها، وعلى الرغم من عدم موافقة عائلتها بأكملها إلا إنها أصرت على قرارها وبعد أكثر من أربعة أعوام من المعاناة حصلت على شهادة ميلاد لها ولابنها من جديد، فأرادت لنفسها الحياة من أجل ابنها الذي أمدها بالأمل وكان لها بمثابة البشرى للتحرر من أسرها.
وأول تحدي من تحديات الحياة التي عرقلت طريقها كان أهلها أنفسهم، ولكنها قضت الكثير من الأيام والليالي تحاول جاهدة الاعتماد على نفسها والنهوض على قدميها وألا تحتاج لأقرب الأقربين لها، وبالفعل تمكنت من بناء حياتها بالمثابرة والكفاح، ونجحت في تحقيق ذلك على الرغم من المكابدة والتي كانت تجدها من أهلها.
وعلى الرغم من ضغط إخوتها وأعمامها على إعادتها لابن عمها إلا إنها أبت ذلك، كانت ترى أن موتها أرحم من العودة إليه، كانت على الدوام تحن لمعاملة خطيبها الذي حرمت منه بسبب خلاف عائلي، كانت تعترف بكونه خلافا ليس بالهين على الإطلاق، ولكنها كانت ترى أنها من دفعت ضريبته كاملة وضريبة غالية باهظة الثمن كانت أيام عمرها ولياليه، كانت تشتاق ولو ليوم واحد من بقائها بجانبه، فقد كان يعاملها معاملة الأميرات الملكات لم يكن ليحزن قلبها ولو لثانية واحدة، كان على الدوام يؤثر قلبها وسعادتها على نفسه، فكيف له أن يهينها ولو ليوم واحد مثلما فعل ابن عمها؟!
كانت كلما تذكرت ذلك تبكي حزنا وقهرا، ولكنها تتذكر ابنها الصغير الذي في أمس الحاجة إليها ولقوتها ومثابرتها قبل حنانها فتتماسك وتصر على موقفها أكثر من ذي قبل، داومت حياتها بشكل في ظاهره طبيعي يعكس سعادة لا تخفي إلا أحزان وآلام.
أهم شيء استوقفها طوال حياتها هو تقوى الله لأنها تنتظر منه الأكثر من ذلك يوم الدين يوم لا يظلم فيه أحد من العالمين، كانت تدعو الله في صلاتها وقيامها بأن يجمعها بمن أحبت يوما على سنة الله ورسوله ليكون لها حق فيه معلوم يم القيامة فيجمعها به في جنات النعيم بفضله سبحانه وتعالى.
أما بالنسبة لابنها فكانت لا تكره شيئا إلا كونها رضخت لتهديدات أهلها وتزوجت بوالده، فلم تحسن اختيار والده، ولكنها أخذت عهدا على نفسها بأن تجعله رجلا من رجال الدين يحمل هم الدين والدعوة إلى الله تعالى على عاتقه، وأن يكون سببا من أسباب نجاتها بيوم الدين، كانت تزرع فيه حب الدين الإسلامي وكل ما جاء فيه، فعهدت إلى تعليمه بالأزهر الشريف وتحفيظه القرآن الكريم، بل وحفظت هي أيضا معه.
وأخيرا وبعد سنوات طوال من الصبر والمعاناة أتتها فرصة أن تكون مع من أحبت، ولكنها كانت ترى حينها أنها ستفتح أبوابا من النيران على أهلها بسبب توق نفسها للسعادة، فآثرت أهلها على نفسها على الرغم من أنهم من حرموها سعادتها بأيديهم في يوم من الأيام، كانت على الدوام تطمئن نفسها بكلمتها المفضلة: “لن يضيعنا الله”.
وبالفعل لن يضيع الله سبحانه وتعالى قلبا مثل قلبها، فمن آثرت غيرها على نفسها ولم تكن أنانية وترعى الله وتتقيه في كل أفعالها بكل تأكيد لن يضيعها.
هل ترى ما فعلت صوابا؟!، ولو كنت مكانها ماذا كنت ستختار؟! يسعدنا مشاركة رأيك.