إن جحا هي شخصية خيالية من التراث الشعبي، تناول ذكرها الكثير من الثقافات القديمة.
كل الشعوب وكل الأمم قديما وحديثا صممت لها شخصية جحا الخاصة بها والتي تتلاءم مع طبيعتها وطبيعة الشعوب التي تسكن بها، ربما تختلف الأسماء والقصص نفسها إلا أن الجميع يتفق على شخصية جحا الشخص الحكيم الذكي الذي يدعي الحماقة والغباء.
القصـة الأولى (جحا وسلة التين):
بيوم من الأيام رحل حاكم البلاد بعد إصابته بمرض عضال، وبطبيعة الحال أرسل ملك البلاد حاكم آخر ليحكم البلاد بالنيابة عنه.
وكما متعارف عليه ذهب أعيان البلاد وكبرائها والعلماء بالهدايا وبأطيب التهاني والمباركات للحاكم الجديد حتى ينالوا رضاه من البداية، وكانوا يباركون له ويهنئونه معلنين عن طاعتهم له وولائهم.
كان الحاكم الجديد قد سمع كثيرا عن جحا، فسأله عنه معظم الموجودين، ومن بينهم كان صديقه والذي تمكن من الهرب من القصر والذهاب مسرعا لصديقه جحا وإعلامه بمدى رغبة الحاكم الملحة في رؤيته.
كما أخبره أنه قد أخبر الحاكم بأنه في طريقه للقصر، أوصاه بألا يذهب للحاكم بيدين فارغتين، لم يستطع جحا تحديد الهدية، ولم يستطع أخذ سوى ثلاثة ثمرات من الأناناس، وكانت حينها ثمرة الأناناس نادرة حيث أنها ليست بأوانها، وضعهن على صينية وسار في طريقه للحاكم، وأثناء الطريق كانت تهتز الثمرات بطريقة مزعجة، فأخذ جحا يعدل منهم ولكن الأمر انتهى بأكل جحا ثمرتين منهن.
وعندما وصل كانت بحوزته ثمرة واحدة من الأناناس، فأعطاها للحاكم والذي سر كثيرا بها، وقال لجحا: “أتعلم على الرغم من بساطة هديتك إلا إنك تستحق عليها مكافئة يا جحا”.
فأمر له بكيس مملوء من الأموال، وعندما عاد لزوجته كانت فرحة كثيرا بالأموال مثله وأكثر منه، فقرر أن يعاود الكرة مه الحاكم ولاسيما أنه لقي إعجاباً شديداً منه وترحاباً.
فاشترى سلة من البنجر، وعندما كان في طريقه للحاكم رآه صديقه وسأله عن البنجر، فأخبره القصة كاملة، فاقترح عليه صديقه أن يأخذ له شيئا بخلاف البنجر، واقترح عليه فاكهة التين.
وبالفعل عاد جحا للسوق وانتقى أفضل ثمرات التين، وذهب بها للحاكم، وعندما رآه الحاكم استشاط غضبا وأمر رجاله أن يلقوا بجحا خارج القصر ويضربوه بالتين على رأسه وكامل جسده، وكلما جاءت عليه تينة حمد الله وأثنى عليه.
فتعجب الحاكم من أمره، وعندما سأله عن السبب أجابه جحا قائلا: “أحمد الله لأنه لطيف بي حيث أنه بعث لي بصديقي ليعدل رأيي عن إحضار البنجر، وإلا زماني الآن مشقوقة رأسي وعيني فقأت وأنفي كسرت بسبب حبات البنجر التي كانت ستلقى علي بأمر من جلالتك”.
اقرأ أيضا: قصص مضحكة للاطفال pdf اتحداك تمسك نفسك من الضحك
القصـــــة الثانيـــــــــة (جحا واللحم العجيب):
بيوم من الأيام اشتهى جحا أن يأكل اللحم المشوي، فذهب إلى الجزار بمنطقته وطلب منه قطعة معينة من اللحم، فأعطاه الجزار إياها في الحال.
عاد جحا للمنزل وطلب من زوجته طهي قطعة اللحم كما يحبها باليوم التالي ليهنأ بأكلها فور قدومه من العمل؛ وبالفعل باليوم التالي قامت الزوجة بطهي قطعة اللحم بالطريقة التي يحبها زوجها جحا، وأثناء ذلك أتى شقيقها لزيارتها واشتهى اللحم من رائحته المنبعثة بكل الأرجاء، كان شقيقها شره بالأكل وهي لا تختلف عنه كثيرا، فجلسا كلاهما وقضيا على قطع اللحم بأكملها.
ولما انتهى شقيقها من أكل الطعام غادر المنزل، وبعدها فكرت زوجة جحا في خطة للخروج من المأزق قبل عودة زوجها من عمله، فأحضرت قطع من الخيار وقامت بوضعها بقدر اللحم ورفعتهما على النار، وعندما جاء جحا طلب الطعام، فجاءت بحساء الخيار ووضعته أمامه، وعندما شرع في الأكل استنكر ما يأكله فنادى على زوجته وقال لها: “ما هذا؟!، إنه خيار يا زوجتي”.
فقالت له زوجته متعجبة من أمره: “كلا، إنه لحم”!
فقال جحا متعجبا: “يا للعجب اللحم صار خياراً، ولكن الحساء حساء لحم، يا لعجب الزمان الذي صرنا به”.
قالت زوجته: “ربما يكون اللحم نفسه مغشوشا، لذا لا تتعامل مع هذا الجزار مرة أخرى، واشتري من الجزار الثاني في المرة القادمة”.
فقال لها جحا: “هذا ما كنت أفكر فيه يا زوجتي”.
وباليوم التالي ذهب جحا لجزار آخر واشترى منه قطعة لحم، وعندما عاد بها لمنزله قال لزوجته: “لا أظن بهذه المرة سيتحول اللحم لقطع من الخيار، فقد اقتطع لي البائع أفضل ما عنده”.
وضعت زوجة جحا اللحم على النار، ومن جديد جاءها شقيقها والذي كان يحب اللحم بشراهة، فلما أكله وانتهى منه كله قامت الزوجة بوضع قطع من الخيار مرة أخرى بالحساء، وقدمتها لزوجها عندما عاد من العمل.
صرخ جحا غاضبا: “إنه خيار، ولن آكله”.
فقالت له الزوجة: “لا تشتري لحما ثانيا يا جحا، لقد سمعت من الجيران أن اللحم يتحول لخيار عند طهيه”.
فراح جحا يسأل جيرانه عن أمر اللحم الذي يتحول لخيار، ضحكوا جميعا منه وظنوا أنه قد فقد عقله؛ فذهب للجزار وسأله عن تحول اللحم لخيار أيضا، فقال له الجزار: “يا جحا لا يمكن للحم أن يتحول إلى خيار، هذا أمر مستحيل حدوثه أو حتى تصديقه”.
فاشترى منه جحا قطعا من اللحم، وعاد لزوجته وقال لها: “يا زوجتي اطهي هذا اللحم لي غدا، فقد أحببت مذاق اللحم الخيار”.
وباليوم التالي طهت زوجته اللحم، وأتاها شقيقها كعادته وجلست بجواره يتناولان اللحم، فجاءهما جحا وهما على نفس الحال، فأمسك جحا بشقيق زوجته وقام بوضعه داخل صندوق كبير، وأغلق عليه وراح يدعو أهلهما ليريهما ما الذي تفعله زوجته به وشقيقها.
وبعد أن غادر زوجها، فتحت الصندوق وأخرجت شقيقها ووضعت بدلا منه جحشا صغيرا لجارهما، وأغلقت الصندوق كما كان.
ولما أقبل جحا وكان قد أحضر والد زوجته ووالدتها وأصدقائهما وبعض الجيران، ولما فتح الصندوق خرج منه الجهش ينهق، فقالوا له جميعا: “يا جحا إنك مجنون”.
فخجل جحا من شكله أمامهم جميعا، ونظر لزوجته وقال: “إن الزوجة التي تحول اللحم لخيارٍ قادرة على أن تحول ابن آدم لحمارٍ”.
اقرأ أيضا: قصص مضحكة للأطفال جحا ونوادره الطريفة
القصــــــة الثالثـــة (جحا والسارق الخفي):
بيوم من الأيام خرج أحد الجيران يبحث في كل مكان ويسأل كل من يقابله من جيرانه عن طيوره التي سُرقت من منزله، وعندما لم يجد إجابة من أحد أعلن عن مكافئة كبيرة ومجزية لمن يدله عن السارق، وانتظر أياماً ولكن لم يأته أحدهم بجوابٍ أيضا.
وعندما فاض الأمر بالرجل ذهب لجاره جحا، وطلب مساعدته في العثور على السارق، ووعد جحا بمكافئة مجزية للغاية في حال مساعدته على كشف الحقيقة.
وباليوم التالي ذهب جحا لمنزل الرجل جاره وطلب منه أن يعد وليمة من الأطعمة الشهية ويدعو خلالها كل جيرانه من حوله.
فسأله الرجل مستنكرا ما طلبه: “ولكن أخبرني يا جحا كيف أدعوهم لتناول الطعام الشهي، وقد سرقني أحدهم؟!”
فقال جحا: “إذا أردت معرفة السارق، فكل ما عليك أن تفعل ما أقوله لك ولا تجادلني”.
وبالفعل أعد الرجل وليمة عليها من الأطعمة ما لذ وطاب، وقام بدعوة كل جيرانه من حوله وأصدقائه عليها، وبينما كان يأكل الجميع ويتلذذ بالأطعمة الموجودة، قام جحا من مقعده قائلا: “هل تعلمون يا أصدقائي لما دعانا صاحبنا على هذه الوليمة؟!”
قال أحدهم: “لقد دعانا لكي نأكل طعامه”.
فسأله جحا: “وتدري ما المناسبة؟!”
فقال أحدهم: “بمناسبة سرقة طيوره من منزله”، وضحكوا جميعا.
فقال جحا: “إن صاحب المنزل لديه علم باللص، وعلى يقين أنه واحد منكم، فهل عندكم الاستعداد لتقسموا بأن كل واحد منكم لم يسرق طيوره؟!”
فرأى منهم جحا استعداداً للقسم، وعندما رأى منهم ذلك قرر جحا أن يجرب طريقة أخرى أكثر ذكاءً، فقال لهم جحا في عجلة: “لا داعي لأن تقسموا، فإنني أرى السارق أمامي الآن”.
غضب الحاضرون وسألوا جميعهم جحا قائلين: “يا جحا نريد معرفة السارق الذي بيننا”.
فقال جحا: “لا داعي لإظهاره أمام الحاضرين ومعرفته الآن، سأتحدث بيني وبينه فيما بعد”.
فقالوا مصرين: “هناك داعي لأن نعرفه جميعنا حتى نعاقبه على فعلته، ونطرده من بيننا”.
قفال جحا: “لا داعي لكل ذلك يكفيه ما يشعر به الآن من رعب وخوف”.
فتركوا جحا وتوجهوا للرجل صاحب المنزل: “أتعرفه أنت؟!”
فقال الرجل: “نعم أعرفه بكل تأكيد”.
فقالوا له: “إذاً أخبرنا أنت يا صديقي حتى نعرفه ونلقنه درسا”.
فقال الرجل: “دعونا ندع الأمر لجحا، فهو رجل أكثر حكمة ليتصرف في الأمر كما يشاء”.
عادوا من جديد لجحا وقالوا له: “لطالما دعوتنا لهنا من أجل ذلك، فلن نبرح المنزل حتى نعلم من السارق فينا”.
فقال لهم جحا: “طالما أنتم مصرين على ذلك، إنه الرجل الذي يجلس وفوق رأسه ريشة”!
فراح جميعهم ينظرون لبعضهم البعض متأملين إيجاد الريشة فوق رأس أحدهم باستثناء رجل واحد قام بوضع يده على رأسه، وأخذ يتحسس عن موضع الريشة التي فوق رأسه.
فقال جحا مشيرا إليه: “أنت الذي سرقت الطيور، وقد كشفت حركتك عن فعلتك”.
اقرأ أيضا: 4 قصص مضحكة للبهجة والعبرة في آن واحد
القصـــــة الرابعـــة (جحا والسلطان الغاضب):
بيوم من الأيام جاء لجحا مجموعة من العماء يستنجدون به قائلين: “أغثنا يا جحا، لقد أمر السلطان بإعدام بعض زملائنا العلماء”.
استنكر جحا الأمر وسألهم: “كيف يفعل السلطان ذلك؟!، وبمن بالعلماء؟!، أخبروني الحكاية كاملة”.
قال أحدهم: “إن السلطان يرسل في طلب كل من يقول عنه الناس عالم أو فيلسوف”.
ومازال جحا متعجبا ومستنكرا: “يفعل كل ذلك بدون سبب؟!”
فقال أحدهم: “لقد سمعنا أنه يسألهم سؤالا واحدا، أعادل أنا أم ظالم؟!
وإذا أجابه أحدهم قائلا عادل أنت يا مولاي، أمر بقتله؛ وإذا أجابه أحدهم بأنك ظالم يا مولاي أمر بقتله في الحال أيضا”.
ارتعب جحا من حديثهم وقال: “لابد أن السلطان ألم به مرض بعقله، بالتأكيد إنه فقد عقله”.
فتوسله أحدهم قائلا بعدما أمسك به وتشبث: “لقد جئنا إليك يا جحا لتنقذ إخواننا من بطشه ومن ظلمه ومن سيفه قبل فوات الأوان”.
قام جحا بارتداء الأفضل من بين ثيابه، وتوجه لقصر السلطان ليقابله ويتحدث إليه.
وأول ما رآه السلطان استشاط غضباً وصرخ في وجهه قائلا: “كيف لك أن تأتي للقصر دون أن أأذن لك بالقدوم؟!، أجننت أنت؟!”
فقال جحا: “يا مولاي لقد علمت أنك ترسل في طلب العلماء والفلاسفة ولم ترسل لي، فجئت إليك لأذكرك بنفسي يا مولاي”.
فقال السلطان غاضبا: “أتظن نفسك يا جحا أنك واحداً منهم؟!، سآمر السياف أن يقطع رأسك في الحال”، وبالفعل صرخ مناديا على السياف.
فقال جحا بكل هدوءٍ وثبات: “ولكني لدي رجاء واحد من ملاي السلطان قبل أن يأمر بقطع رأسي، أرجوك يا مولاي أن تأمر السياف بألا ينكش شعري أثناء قطعه رأسي حيث أنني كنت للتو عند الحلاق”.
فضحك السلطان على كلام جحا، وقال: “هذه رباطة جأش منك يا جحا تحسد حرفيا عليه، ولأجل ذلك فقد عفونا عنك”.
استهل جحا فرحا وسرورا وقال: “بما أن مولانا السلطان قد عفا عني، فهل يمكنني أن أطمع في عفوك بأن تعفو أيضا عن أصدقائي وزملائي؟!”
فكر السلطان قليلا في طلب جحا وقال: “قد أفعل ذلك ولكن إذا أجبت عن سؤالي أولا، أخبرني يا جحا أعادلٌ أنا أم ظالم؟!”
فقال جحا مجيبا على سؤاله: “إنك يا مولاي لست بعادل ولا ظالم، فالظالمون نحن أما أنتم سيف العدل الذي يقتص من الظالمين”.
تهللت أسارير السلطان قائلا: “يا لها من إجابة رائعة يا جحا”.
قال جحا: “مولانا يسأل ونحن نجيب”.
فأمر السلطان بالعفو عن كافة العلماء والفلاسفة وإطلاق سراحهم.