قصص من الواقع عن الحسد احداثها مثيرة وحقيقية
من الأشياء الذميمة والدميمة والتي لا ينبغي بحال من الأحوال أن تكون صفةً لمسلم هي صفة الحسد، فهو الداء العضال الذي لو فتك بقلب الإنسان لصعب على الإنسان إخراجه، فالحسد شيء يفتك بالقلب ويدمر العلاقات ويميت القلوب ويشحنها بالبغضاء، الحسد صفة ذمها الله تعالى وذمها رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي صفة مذمومة شرعًا وعقلًا، ولا يزال الحاسد لا يتقرب منه أحد خشية على نفسه من أن يحسده ويحقد عليه ويتناوله في عرضه، فالحاسد لا يقف عند شيء يحسد كل شيء يمر بالإنسان مهما كان بسيطًا وصغيرًا، يحسدك على مرتبك، يحسد على زواجك الهادئ، يحسدك على أولادك، يحسدك على وظيفتك، يحسدك على كل شيء وكل كبيرة وصغيرة في حياتك.
فالحسد من الأشياء الذميمة التي لا ينبغي لعاقل أن يتعلق به أو أن يشغل باله بفلان أو فلان، فليكن كل إنسان قائمًا على نفسه ويدع الناس لرب الناس، ولا يتدخل فيما لا يعنيه، ولا يحشر أنفه فيما ليس من اختصاصه، فالإنسان الذي يتصف بهذه الصفات لا يمكن أن يكون محبوبًا، بل هو شخص بغيض مكروه ينفر منه الجميع حتى أقرب الناس إليه لا يجالسونه ولا يقعدون معه ويجتنبونه إذا تكلموا ولا يسرون إليه بحديث من أحاديثهم أبدًا، فهكذا الحاسد يلاقي من الناس هذا العنت والضيق الشديد جزاء دخوله في أمور لا تعنيه من قريب أو بعيد، وموضوع اليوم حول قصص لبعض هؤلاء الحاسدين، لكي نعرف القارئ الكريم خطورة الحسد وما يترتب عليه من خفض المنزلة وقلة الاعتناء بأمره من كل الناس، والآن مع الموضوع:
الوزير الحاسد وأمير المؤمنين:
رُوِيَ أن أحد الرجال من العرب قدم على المعتصم ودخل عليه فقام المعتصم بتقريبه منه حتى جعله من خاصة ندمائه وجلاسه، وكان للمعتصم أحد الوزراء الذين يتصفون بالحسد الشديد فغار غيرة عظيمة من تقريب المعتصم لهذا الرجل وحسده على ما هو فيه من قرب لأمير المؤمنين، وقال هذا الوزير في نفسه: إن لم أفكر في احتيال أحتال به على هذا الرجل سوف يأخذ بقلب الخليفة ومن ثم يبعدني الخليفة من جواره ويستبدله بي.
فأخذ الوزير يتلطف بالرجل حتى جاء بالرجل إلى بيته، ثم طبخ له طبخًا وأكثر في هذه الطبخة من الثوم، فلما أكل الرجل الطعام قال له: إياك أن تقرب الخليفة الليلة، وإلا شم منك هذه الرائحة الكريهة رائحة الثوم، فتؤذيه بهذه الرائحة.
ثم قام الوزير مسرعًا إلى المعتصم، فخلا بالخليفة وقال له: يا أمير المؤمنين، إن هذا الرجل يشيع عنك أمام العامة أنك أبخر، ورائحة فمك كريهة.
فلما قام الرجل بالدخول على أمير المؤمنين جعل الرجل أحد أكمامه على فمه حتى لا يتأذى أمير المؤمنين برائحة فمه الكريهة كما نصحه الوزير بذلك، فلما رأى أمير المؤمنين الحال على هذا وما يفعل هذا الرجل من وضع كمه على فمه، قال: إذن، فالذي قاله الوزير صحيح عن هذا الرجل، ومن فوره أمر أمير المؤمنين بكتابة كتاب لبعض عماله يقول له فيه: إذا وصل إليك هذا الكتاب؛ فاضرب عنق حامله، ثم دعا الرجل ودفع إليه الكتاب، وقال له: اذهب به إلى فلان ورُدَّ عليَّ بالجواب، فامتثل الرجل ما قاله له أمير المؤمنين، وأخذ كتاب أمير المؤمنين وخرج به.
من حفر حفرة لأخيه وقع فيها
فبينا هذا الرجل بالباب حتى لاقاه الوزير، فقال للرجل: إلى أين تريد الذهاب؟ فقال الرجل: إني متوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان، فقال الوزير في نفسه: إن هذا الرجل لا بد أن يحصل له من هذا التقليد على المال الوفير، فقال له: يا رجل، ما تقول فيمن يُذهب عنك هذا النَّصَب الذي قد يلحق بك في هذا السفر الطويل ويهبك ألفي دينار؟ فقال: أنت الوزير الكبير، ومهما قلت من الرأي امتثلت.
فقال الوزير: إذن فادفع إليَّ بهذا الكتاب، فدفعه الرجل من فوره، فقام الوزير بإعطائه ألفي دينار، ثم ذهب بكتاب أمير المؤمنين إلى المكان الذي هو قاصد نحوه، فلما أخذ عامل أمير المؤمنين الكتاب وقرأ ما فيه؛ أمر مباشرةً بضرب عنق الوزير!
ثم بعد ذلك بعدة أيام ذكر أمير المؤمنين أمر ذلك الرجل، وأخذ أيضًا يسأل عن وزيره، فأُخبر أمير المؤمنين بأنه له عدة أيام لم يظهر فيها حتى الآن، وأن الرجل الأعرابي مقيم بالمدينة، فعجب أمير المؤمنين من هذا الأمر وأمر بإحضار الرجل الأعرابي من فوره وأن يمتثل أمامه في التو واللحظة، فحضر الرجل أمام أمير المؤمنين وامتثل في حضرته، فسأله أمير المؤمنين عن حاله وأمره، فقص عليه الرجل القصة كاملةً من أول ما أكل من الثوم ونصيحة الوزير وحتى قدومه على أمير المؤمنين وهو يضع كمه على فمه حتى لا يؤذي أمير المؤمنين برائحة الثوم، فقال أمير المؤمنين للرجل: إنك قلتَ لعامة الناس عني أنني أبخر كريه رائحة الفم؟!
فأجابه الرجل: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أحدِّث الناس بما لا علم لي به البتة، وإنما حصل ذلك مكرًا من الوزير وحسدًا لي على هذه المكانة التي أوليتني إياها، وأخذ يحكي لأمير المؤمنين كيف أدخله الوزير إلى بيته وكيف أطعمه الثوم على نحو ما جرى واتفق، فقال أمير المؤمنين: قاتل الله الحسد فما أعدل الحسد يبدأ بصاحبه فإذا به يقتله، ثم قام أمير المؤمنين بمنح الهبات لهذا الرجل، بل وكرم هذا الرجل بأن جعله وزيرًا له بديلًا عن الوزير الحاسد الذي قتله حسده.
كانت هذه قصتنا اليوم، نتمنى أن تكون قد أعجبت القارئ الكريم بما فيها من محنة تعرض لها الرجل ثم أبى الله إلا أن يوقع الحاسد في شر أعماله، وهكذا دائمًا يكون الحاسد مذمومًا مدحورًا مخذولًا لا يهنأ له عيش ولا يرتاح له بال، فهو دائمًا يكره أن ينعم الله على أحد عباده بأي شيء من الأشياء، فالله من كمال حكمته يوقع هؤلاء الحاسدين في الأمور العظيمة التي لا ينجون منها كما حصل مع هذا الوزير الحاسد الذي كان في مكانة كبيرة ومع ذلك نظر لمن هو أقل منه في الرتبة والمكانة وحسده على ما كان من استئثاره بقلب أمير المؤمنين، واحتال على الرجل بأنواع الحيل وشتى الأمور المستنكرة، ولكنه في نهاية الأمر قُتِلَ بحسده، فهي رسالة لكل حاسد أن الحياة لا يمكن أن تستقيم لك أبدًا، فاترك هذه الصفة الدنيئة تعش مرتاح البال مسرور الفؤاد.
يقول الشاعر: اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله … فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله
جزاكم الله خيرا
شكرا جزيلا بارك الله فيكم و جزاكم الله خيرا ❤❤❤