إنه من المحزن حقا رؤية أجيال لا تعرف عن دينها شيء، نظريا فإن النبات الذي تهتم جيدا لبذرته من البداية وترويها جيدا وتعدها وتهيئها جيدا لاستقبال كل ظروف المناخ القاسية والمتقلبة يُمسي نباتا ليس له مثيل وعلى العكس فالنبات الذي لا تهتم به يسقط ويذبل من أول ريح خفيفة تمسه كذلك أطفالك قرة أعينك إن لم تنشئهم تنشئة صالحة ببذور سليمة من البداية فلا تنتظر منهم شيئا وبالطبع لا تلومهم على شيء لأنك المخطئ في حقهم من البداية، إن أحسنت لهم أحسنوا لك وإن لم تفعل فلا تلوم غير نفسك، كثيرا ما نسمع عن انشغال الأب بعمله وانشغال الأم بتنظيف المنزل وإعداد الطعام وكي الملابس فأين مكان الأبناء وإعدادهم لمصارعة طويلة مع الحياة، إنك بأفعالك هذه تجعلهم يواجهون عدو لهم متمكن بدون سلاح حتى؛ يجب عليك إعدادهم وتنشئتهم على قصص مليئة بنفحات نبيهم، من قصص واقعية صيد الفوائد:
قصة خشبة المقترض:
رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حكا قصة رجل بزمن بني إسرائيل قد ذهب لرجل آخر ليقترض منه ألف دينار، وكان من المعروف عن صاحب الأموال أنه دائما ما يطلب شهيدا ووكيلا حتى يُقرض الآخرين، ولكن قصته كانت غريبة مع هذا الرجل إذا استعان بالله سبحانه وتعالى ليكون شهيدا ووكيلا عليه، وصاحب الدين وافق وهذا دليلا على شدة إيمانه بالله وتعلق قلبه به، وتم تحديد أجل مسمى لسداد الدين.
يوم سداد الدين:
وجاء يوم قضاء الدين الذي اتفق عليه ولكن الرجل المقترض مازال خارج البلاد، لقد ركب البحر حتى يتاجر ويروج تجارته، ولا يمكنه العودة واللحاق بيوم السداد إذ أنه لا توجد ولا سفينة واحدة بإمكانها أن تحمله ليصل بموعده ويقدم للأجل؛ فلجأ إلى قطعة من الخشب فنقرها ووضع بداخلها الألف دينار وصحيفة مكتوبة منه إلى الرجل، وأصلحها جيدا حتى يحمي النقود التي بداخلها ومن ثم ألقى بها إلى البحر وتوجه لله بدعاء قائلا: “اللهم إنك تعلم أني اقترضت منه ذلك المبلغ وقد سألني شهيدا فقلت له وكفى بالله شهيدا، وسألني كفيلا فقلت له وكفى بالله وكيلا ورضي بك، وقد جاء وقت سداد الدين فلم أجد مركبا لأصل إليه، اللهم إني قد استودعتك إياها فأد حمالتك”، ثم انصرف الرجل وهو متوكل على الله وواثق به، ومحسن الظن فيه إلى أبعد الحدود فقد استودع من لا تضيع عنده الودائع مطلقا.
“أنا عند ظن عبدي بي”:
وفي الجهة الأخرى ذهب صاحب الدين ليقتص أمر السفن القادمة ربما إحداها تحمل على ظهرها نقوده ولكنه لم يجد من ذلك شيء كل ما وجده هو قطعة من الخشب فأخذها ليشعلها نارا في بيته ويستفيد بها، وعندما وصل إلى منزله أعطاهم قطعة الخشب وقال لهم أنشروها وأوقدوها، وحينما جاءوا لينشروا قطعة الخشب هذه وجدوا بداخلها الألف دينار والصحيفة، فقرأها صاحب الدين وعلم كل القصة؛ ومازال الرجل يبحث عن مركبا حتى وجده، وأول ما وطأت قدماه أرض الوطن ذهب مسرعا إلى صاحب الدين ليرد له دينه ويعتذر عن تأخره في سداده، ولكن صاحب الدين طمأنه قائلا: “ألست أودعت أمانتك عند من لا تضيع عنده الودائع؟!، اطمئن فإن الله سبحانه وتعالى سد عنك الدين”.
فوائد القصة:
- نتعلم منه فضل التوكل على الله سبحانه وتعالى، وأن من توكل على الله حق توكله كان الله له عونا ونصيرا وتكفل الله سبحانه وتعالى بقضاء كل حوائجه وفرج كل كربه.
- احتياجنا جميعا إلى تجديد قضية التوكل على الله، فقد أصبحنا نركن إلى الأسباب ونسينا تماما مسبب الأسباب، ومن بيده مقاليد كل شيء وإليه النشور.
- نتعلم منها حسن الظن بالله سبحانه وتعالى حتى في عصيب الأمور فالله دائما عند ظن عبده به، فإن ظن العبد بخالقه خيرا أتى الله إليه بالخير في أسرع ما يمكن، وإن ظن بخالقه غير ذلك فقد أساء الظن بالقدير الذي يُقضى أمره بين الكاف والنون بكلمة “كن”.
- تعلمنا فضل الآية الكريمة بالقرآن الكريم، قال تعالى: ” وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”…
- وأيضا نتعلم منها فضل الحديث النبوي الشريف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا: ” لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً”.