الموت هو خروج الروح من جسم الإنسان والانتقال لمرحلة الحياة الأخرى (البرزخ)، والروح هي سر من الأسرار الإلهية التي اختص الله سبحانه وتعالى بها نفسه ولم يبدها لأحد، وجميعنا نعمل بالدنيا تجهيزا واستعدادا للقاء الله سبحانه وتعالى بالدار الآخرة، ولكن نرجو من الله جميعنا أن يوفقنا بطريقنا بالسعي إليه وألا يجعلنا من الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
رفضت النزول لقبرها!
أحضرت امرأة متوفاة للغسل، فأدخلوها للأخوات ليقمن بعمل المطلوب من أجلها، وبعدما انتهين من كل شيء، تقدم أقربائها ليحملنها إلى داخل القبر للحدها ودفنها.
ولكن يذكر الشيخ المسئول ويسقم بالله سبحانه وتعالى أنه كان هناك من الرجال عشرين ولم يستطيعوا تحريكها ولو لمسافة يسيرة للغاية، وطال الانتظار حتى أنه كان هناك أحد من الحاضرين سأل عن سبب تأخر الدفن والانتهاء من مراسم الجنازة لكل ذلك الوقت، فاضطر الشيخ لقول أن هناك شيء ما يعلق بالمتوفاة ولذلك يتعذر عليهم جميعا حملها.
أيقن السائل أن هناك خطب ما بالمتوفاة نفسها، لذلك اقترح على الشيخ أن يقرأ ما يتيسر له من القرآن الكريم لعل الله سبحانه وتعالى يعينوهم جميعا على أمرهم؛ ولكن الشيخ أخبره بأن القراءة لا تنفعها في شيء، فأخبره الناصح أنها لن تنفعها ولكنها ستنفعهم في الانتهاء من أمرهم.
بدأ الشيخ في تلاوة القرآن، وبالكاد استطاعوا رفعها، وعند إنزالها تقدم ثلاثة من أقربائها ليتلقوا رأسها، ولكنها سقطت من يديهم سقطة لو وقعت لحي لكان توفي إثرها، صرخ الشيخ فيهم جميعا لماذا جعلتموها تسقط من بين أيديكم؟!، ألا يتوجب عليكم أن تكون أكثر حذرا؟!
فأخبروه قائلين: “لقد شعرنا بثقل كبير يا شيخ، و والله لو لم تسقط من بين أيدينا لضربت رؤوسنا جميعا بعرض الحائط”.
ومن بعدها تبقى أمامهم أن يرفعوها ويضعوها بالماكن المخصص للدفن، ولكنهم كانوا ثلاثة والشيخ رابعهم، ولكنهم لم يستطيعوا حملها، لقد كانت ترفض كليا النزول لقبرها، ولم يجدوا حلا سوى سحبها حتى الوصول بها للمكان المقصود، يحكي الشيخ قائلا أنها جعلت في الأرض مكانا واضحا وكأن كريك كان سببا في شقه.
أما عن الثلاثة فكان فيهم ابنها الوحيد والذي طلب من الشيخ رؤية وجه والدته، ولكن الشيخ أبى غير أن الابن أقسم عليه بالله العظيم أنه يريد رؤية وجه والدته ومن بعدها سيجعل كل شيء يعود لطبيعته كسابق عهده، وبالفعل خرج الشيخ والاثنان معه، وإذا بصرخة الابن تزلزل المكان بأسره.
وبعدما أكملوا لها الدفن وخرجوا جميعا، كان الابن ببطء شديد وحتى لا يجذب إليه الأنظار خرج وذهب لسيارته ليختبئ بها، ولكن الشيخ كان يرقبه من بعيد لبعيد، وبعدما أنهى كل شيء ذهب خلفه ليسأله سؤالا يرغب بمعرفة جوابه جميع الموجودين “لماذا صرخت داخل القبر عندما حققت رغبتك بالنظر لوجه والدتك النظرة الأخيرة؟!”
أبدى الابن رغبته بعدم الإجابة، ولكن الشيخ أوضح إليه أنه إن لم يجبه فلن يخلص من تواتر كل الموجودين عليه حتى يخلصون بمعرفة السبب، استحلفه بالله إن أعلمه السبب سيتركه وشأنه ويحميه من سؤال الباقين، وألا يسأله سؤالا غيره؛ فقطع عليه الشيخ وعدا بما أراد.
فقال الابن: “عندما كشفت عن وجهها لم أجدها أمي، إنها ليست بأمي يا شيخ، فأنا أعلم أمي تماما وعلم اليقين، إنها امرأة جميلة بيضاء اللون، ولكن هذه السيدة التي رأيتها لم تكن بأمي، إنها امرأة سوداء اللون من منبت شعرها وحتى أذنيها، لا يرى بياض جسدها إلا من بعد وجهها”.
ولأن الشيخ قد قطع على نفسه عهدا فلم يسأله عن حال والدته بالدنيا، وكما وعده حماه من أسئلة الآخرين عن سبب صرخته الهيستيرية والتي جعلت الجميع يصيبهم الفزع من صوته الذي تسبب في هز قلوبهم جميعا.
وتمر الأيام والشهور ويأتي شاب يصلي بجوار الشيخ في المسجد على ابن خاله، وبعد الانتهاء من صلاة الجنازة، قال الشاب للشيخ: “ألا تتذكرني يا شيخ؟!”
فأجابه الشيخ قائلا: “ذكرني بنفسك جزاك الله عني كل خير”.
الشاب: “إنني نفس الابن للمرأة المتوفاة التي قمت بدفنها من أربعة شهور مضت، المرأة التي رفضت النزول للقبر”.
الشيخ: “أجل لقد تذكرتك”.
الشاب: “سأخبرك بالحقيقة حتى أتخلص من العبء الذي بكاهلي، يا شيخ لقد أديت فريضة الحج من أجلها واعتمرت، وأخرجت ما قده الله لي من الصدقات، ووضعت الكثير من برادات المياه بالطرقات، وكل ذلك وهبته لأجلها وحتى أنسى كيفية الطريقة التي رأيت بها وجهها بذلك اليوم؛ وأريد اليوم أن أخبرك يا شيخ ماذا كانت تفعل والدتي بالدنيا، إنها يا شيخ كانت لا تصلي!!!”
الشيخ: “ولماذا لم تخبرنا حتى لا نصلي عليها، ولا نغسلها، ولا ندفنها بمقابر أموات المسلمين؟!”
الابن: “لم أستطع أن أفعل بها ذلك يا شيخ”.
اقرأ أيضا:
قصص وعبر يرويها العريفي قصة لحظة الحق
قصص وعبر من الواقع لن تصدقها على الرغم من كونها حقيقية! الجزء الأول
قصص وعبر من الواقع لن تصدقها على الرغم من كونها حقيقية! الجزء الثاني والأخير