قصص وعبر

قصص وعبر بعنوان سر السعادة في الرضا

أعتقد أن أهم نوعية من القصص التي يلزمنا قراءتها على الدوام وبصفة مستمرة قصص وعبر، فهذه النوعية من القصص يمكنها أن تمنحنا الكثير من خبرات وتجارب من سبقونا، بمجرد عمل شيء يسير قراءتها يمكننا الاستفادة بكل العبر والفوائد التي جاءت بها.

القصــــــــــــــــــــــــــة:

قصة حقيقية تصنف من ضمن قصص وعبر لما بها من عبر جمة، تروى على لسان فضيلة الشيخ “محمد متولي الشعراوي”….

بيوم من الأيام بشهر رمضان بينما كنت عائدا إلى منزلي قبيل المغرب بساعة واحدة استوقفني بالطريق رجل فقير، وكان من ضمن الذين يترددون على درسي بالمسجد تردد الزائر الدائم، هرع إلي وألقى علي تحية السلام بلهفة، وسألني قائلا: “أستحلفك بوجه الله العظيم أن تفطر عندي اليوم يا شيخنا”.

فعقدت لساني لهفته، وطوقت عنقي شدة رغبته، وأشرق بقلبي وجه استحلفني بعظمته، فقلت له: “يا أخي إن أهلي بانتظاري وظروفي لا تسمح لي”، ولكني وجدت نفسي أتبعه لمنزله الذي لا أعلم مكانه، ولم أكن أعلم ظرفه الحرج في موعد كموعد الإفطار، وما إن وصلنا إلى منزله، والذي كان عبارة عن غرفة ومطبخ وفناء صغير مكشوف على سطح قد اشتراه من ملاكه، كان له مدخل ودرج خاص به من الخشب والذي لا يحتمل صعود شخصين عليه في آن واحد، فخشباته الهزيلة تستغيث من وهن خلفه بها الفقر وشدة القدم!

التمست بقلب الرجل سعادة تملأ قلبه، مما لاقيت من عبارات شكر وامتنان تتدفق على شفتيه، فقد كان يقول: “انظر يا سيدي هذا البيت كله ملكي والملك لله وحده، انظر يا سيدي إن الشمس تشرق على غرفتي بالصبح وتغرب من الجهة الأخرى، هنا أجلس وأقرأ القرآن عند الفجر وقبل مغيب الشمس، وأما زوجتي الله يرضى عليها فتجلس عند هذه النافذة وتدعو الله لي على الدوام، والله يا سيدي إنني أشعر وكأنني أعيش في الجنة”.

كان الرجل يتحدث إلي كل هذا وكنت وقتها أصعد السلم بحذر شديد خشية السقوط، وكلها لحظات ووصلنا إلى الغرفة فجلست بها وذهب الرجل لزوجته، حينها سمعت صوتا خافتا من الرجل وهو يقول لزوجته: “أريد منكِ أن تجهزي فطورا للشيخ سيفطر عندنا اليوم”، فسمعت صوت زوجته وهي تقول: “والله يا زوجي ما عندنا طعام إلا الفول، ولم يبقى على آذان المغرب غير نصف ساعة ولا شيء عندنا لأطبخه حتى وإن كان فلا وقت يسمح لي بذلك”!

لقد سمعت ما دار بينهما من حوار، وعندما جاءني الرجل قلت له: “يا أخي لي عندك شرط واحد، إنني أفطر مع آذان المغرب على ماء ومعي التمر، ولا آكل شيئا إلا بعد آذان المغرب بنصف ساعة يكون قد هضم التمر والماء، وأصلي وأنهي وردي اليومي، ولا آكل إلا فول مدمس وبطاطس”.

فقال لي الرجل بسرور: “أمرك يا شيخي”.

فطلبت منه أن يدعني لأختلي مع ربي، وتم ما أردته وأفطرت عنده ثم غادرت، لقد اخترت الفول والبطاطس لأنهما زاد الفقراء وأحسبها عندهما، خرجت من منزلهما وكلي سعادة وأشعر بنشوة البهجة بكل كياني، لقد أحببت هذه الدنيا من لسان هذا الرجل الذي ما خرجت من فيه إلا عبارات الثناء والحمد على أنعم الله سبحانه وتعالى، لقد سمعت أجمل الكلمات عن حمد الله وشكره على هذ البيت الذي ملكه الله إياه وهذه الحياة التي يتغنى بجمالها.

وبعد أيام دعيت مع مجموعة من الوجهاء على الإفطار من أحد التجار الأثرياء، لقد كان من الذين أنعم الله عليهم سبحانه وتعالى بالمال والجاه والأولاد علاوة على الحسب والنسب، تلقيت الدعوة للذهاب لمزرعة فخمة، كانت هذه المزرعة سارة للناظرين بوسطها منزل أقرب أن يكون للقصر يطل على مسبح ومكان للخيل يحوي نوادر الخيل العربي الأصيل.

أفطرنا عند الرجل، وقد كانت أنواع الأطعمة وأصنافهما مما لذ وطاب، وبعد الإفطار انفرد بي صاحب المزرعة والدعوة بي وأخذ يشكو لي من ضيق الحياة ومن هموم تجارته ومن متاعب أولاده ومن سوء طباع زوجته، ومن أطماع من حوله وكثرة المصاريف لإرضاء الجميع، شكى عن مدى سأمه من الحياة ومدى رغبته بالموت لينتهي من كل هذه الهموم التي تحيط به من كل جوانب الحياة.

أقسم بالله أنه من باب منزله وحتى باب سيارتي سود هذا الرجل الدنيا في عيوني، وأطبق علي صدري وأنفاسي من كثرة شكواه؛ فنظرت إلى السماء بعد أنر ركبت سيارتي وأنا أقول في قلبي الحمد لله على نعمة الرضا.

السعادة ليست بكثير ندفع ثمنه، ولكن السعادة ما هي إلا حسن صلة بالله سبحانه وتعالى وبالرضا بما قسمه لنا.

العبرة من القصة:

نتعلم من قصتنا أن من يتمتعون بقدر عالٍ من الرضا عن الحياة، هم أنفسهم الذين لديهم قدر كبير من الأمل، والحب والتفاؤل والانطلاق، والفضول، والعرفان، بمعنى أنك لكي تكون راضياً سعيداً فكن متفائلاً، محباً للمقربين منك، مقبلاً على الحياة، ساعياً للمعرفة، وممتناً شاكراً لله سبحانه وتعالى على كل هذا.

واعلم أن طريق الرضا طريق مختصر وقريب للغاية، والأهم أنها موصلة إلى أجل غاية ولكنّ فيها مشقة، ومع هذا فليست مشقتها بأصعب من مشقة طريق المجاهدة.

اقرأ أيضا مزيدا من قصص وعبر من خلال:

قصص وعبر قصيرة تويتر قصة الشاب الصالح وتاجر المخدرات وقصة المزارع الكسول

وأيضا مزيدا من قصص وعبر بها دروس ذات قيمة من خلال: قصص وعبر للشيخ محمد الصاوي قصة تاجر المخدرات الذي مات وهو ساجد

ولا يمكننا أن ننسى أن ننغم بكل العبر التي جاءت بهذه النخبة من القصص الدينية الرائعة من خلال: 5 قصص وعبر دينية غاية في الروعة

ريم إبراهيم

أعمل ككتابة محتوي مختص في القصص في موقع قصص واقعية منذ 5 اعوام وشاركت بأكثر من 1500 قصة علي مدار سنين عملي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى