كلام وعبر لا تقد بثمن:
جعل الله سبحانه وتعالى بحكمته قبول الأعمال أمرا مخفيا لتبقى قلوب العباد على وجل، وجعل باب التوبة سبحانه وتعالى دائما مفتوحا ليبقى كل إنسان على أمل في طريق العودة والرجوع إليه وقتما شاء، كما جعل سبحانه وتعالى العبرة بنهاية عمل كل فرد منا، حتى يمنع عنا الغرور بأعمالنا مهما عظمت، وأفهمنا سبحانه وتعالى أن أهم شيء بجسد كل منا هو قلبه وروحه لا جسده ولا شكله، فالجسد والشكل يدفنان تحت التراب وبين الثرى وإنما الروح تصعد إلى السماء لسمو مكانتها عند خالقها سبحانه وتعالى، وكم من مشهور يعرفه كل من على الأرض ولكنه مجهول عند الله ومجهول عند كل أهل السماء، وكم من مجهول بالنسبة لأهل الأرض ولكنه عند الله أسمى مكانة؛ ففي ميزان العدل المعيار بالتقوى وليس للأقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
من قصص وعبر مؤثرة قصيرة:
القصـــة الأولى
يحكى أنه كان هناك رجلا يمكث طوال العام في صنع أقمشة لأشرعة المراكب والسفن الشراعية، وبيوم معين من العام يتوجه إلى أصحاب السفن والمراكب ليبيعهم ما صنعه من أشرعة، وهكذا كانت تجارته طوال العام.
وبإحدى السنوات سبقه إليهم رجل آخر فابتاعوا منه، وعندما ذهب ذلك الرجل وجد أنهم قد ابتاعوا من غيره، ضاع عمل السنة كاملا هباءا منثورا، كما ضاع منه رأس المال، جلس حزينا كسير الخاطر أمامه الأشرعة، ومع كل حزنه لم يسلم من استهزاء بعضهم ذوي القلوب المريض، فقال أحدهم: “اصنع منها سراويلا وقم بارتدائها”.
قرر الرجل استعمال أزمته والخروج منها إلى نجاح آخر، فأعاد تدوير الأشرعة وصنع منها سراويلا، وقال: “من منكم يا أصحاب المراكب والسفن يريد سروالا قويا ومتينا ومناسبا لعملكم الشاق؟!”
وبالفعل تمكن من بيع كل السراويل التي بحوزته ولو كان المكسب حينها بسيطا؛ وفي العام الجديد نفذ فكرة جديدة ومطورة للغاية ولم يسبقه إليها أحد، أضاف للسراويل جيوبا وبعض التعديلات لتصبح أكثر تناسبا مع أعمال الصيادين وأصحاب السفن والمراكب.
كل منا يستطيع تجاوز أزمته والخروج منها أقوى من الأول، ولكن لا يمكننا الوقوف عند هذه الأزمة مكفوفي الأيدي، حينها فقط سنكون الخاسرين حقا!
اقرأ أيضا: 3 قصص وعبر القرآن الكريم مليئة بالإفادة والقيم السامية
القصــة الثانيــة
في أحد البيوت تشاجرت زوجة مع زوجها وامتد الشجار بينهما طويلا، وكانت المشاحنات بينهما بسبب ضيق الرزق، وذات ليلة قررت الذهاب بعيدا عنه وعن أولادهما لتهنأ بطيب العيش، وأن تعود لمنزل أبويها حيث الراحة التي حرمت منها.
انتظرت حتى نام زوجها وأولادها، وبعدها تسللت من المنزل، وأثناء سيرها في الظلام سمعت إحدى الزوجات تشتكي إلى الله وتتوسل: “إلهي من على بني واشفيه واجعله يقف على قدميه، فإنني اشتقت للعب معه كما يلعب بقية الأطفال مع أمهاتهن”؛ وصوت آخر وهي زوجة تخبر زوجها: “كم أنا خائفة من الغد، فصاحب المنزل سيأتي ليأخذ منا الإيجار”، وأخرى تشكو إلى الله من طيلة غياب زوجها، وجدت الزوجة نفسها في نعمة كبيرة ولكنها لم تكن تعرفها، حمدت الله وعادت إلى منزلها، وعلمت في هذه الليلة أن كل إنسان بالحياة لديه ما يكفيه من مشاكل تنغص عليه طيب العيش.
اقرأ أيضا: 3 قصص وعبر أيام زمان في غاية الروعة
القصــة الثالثـــة
في يوم من الأيام كان الإمام أبو حنيفة يسير برفقة أصحابه متوجهين إلى المسجد، فمر على طفل صغير وقد وجده يتوضأ وتنهمر الدموع من عينيه حتى ترتطم بمياه النهر، تعجب من حال الطفل فذهب إليه وسأله: “ما بك يا بني؟”.
فأجابه الطفل: “لا عليك أيها الإمام، فقط دعوني وشأني”.
ألح عليه الإمام في السؤال، فأخبره: “لقد قرأت آية في القرآن الكريم تقول (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) صدق الله العلي العظيم”.
فقال الإمام أبو حنيفة: “لماذا يا بني تفعل بنفسك هكذا وما زلت صغيرا في السن ولا تنطبق عليك هذه الآية؟”
فازداد الطفل في البكاء وقال: “يا إمام أولسنا حينما نشعل نارا نضع بها صغير الحطب قبل كبيره؟!”
بكى الإمام أبو حنيفة ونظر إلى أصحابه وقال: “والله إنه ليخاف الله أكثر منا”.
اقرأ أيضا: قصص وعبر إسلامية طويلة شاب أضاع حياته مقابل عشر دقائق مضت من عمره