مازلنا نستكمل سلسلة قصص وعبر من الحياة والتي بها فوائد بأهداف سامية.
القصة السادسة
رجل من البادية كانت لديه أمه والتي هو وحيدها، كانت دئما ما تحرجه بتصرفاتها الصبيانية نظرا لكبر سنها وخفة عقلها والتي كان يعدها على حد علمه تقلل من شأنه أمام قومه؛ ومن عادات العرب حينها التنقل دوما بحثا عن المكان الذي يحوي ماء، وعندما حان وقت رحيل كل القوم طلب الزوج من زوجته أن تترك أمه في العراء، وتترك معها الزاد والماء ليجدها شخصا آخر فيريحهما من عنائها الذي لا ينتهي أبدا، وافقت الزوجة بابتسامة خفيفة على ما طلبه منها.
كان للزوج ولدا جميلا خفيف الظل لا يعرف سوى الضحك بشكل مثير للاهتمام حقا، يبلغ من العمر عاما واحدا، كان كلما انتهى الزوج من عمله سارع ليداعب ابنه الوحيد ويلاعبه؛ وأثناء الرحلة الشاقة وبعدما شق القوم مسيرة نصف نهار كامل استراحوا هم وغنائمهم، حينها طلب الزوج من زوجته ابنه ليلاعبه كحاله، لكن الزوجة أخبرته أنها تركته مع أمه، وسألته ما الداعي من وجوده معه إذ سيفعل به عندما يكبر كما فعل بوالدته العجوز، سيرميه في الصحراء لتأكله الذئاب.
أسرع الزوج وامتطى حصانه وهم في الذهاب للحاق بابنه وأمه، حيث أنه المكان الذي يسكنه القوم ثم يدعونه ويرحلون تذهب إليه الذئاب والسباع بحثا على بقايا الطعام والجيف لتأكلها؛ وعندما وصل وجد أمه تحتضن صغيره وتضع جانبها الكثير من الحجارة والتي تلقي بها على الذئاب، وكانت الدموع تسيل من عينيها وفمها لا يتوقف عن دعاء الله.
قاتل الرجل الذئاب حتى رحلوا جميعا، حمل والدته على حصانه هي وصغيره بعدما قبل رأسها وطلب مسامحتها على ما فعل بها، ولأنها تنسى كل شيء ولا تتذكر على الإطلاق لم تلوم عليه بكلمة واحدة أصلا؛ عاد إلى قومه وتعلم درسا ما أروعه في بر الوالدين، أصبح منذ ذلك الحين أكثر الرجال برا بوالدته وازدادت محبته لزوجته الصالحة التي أعطته ذلك الدرس، وكان كلما عزم القوم على الرحيل من أجل التنقل كان أول شخص بينهم يضع والدته على الجمل ويسير خلفها بحصانه ليحميها من شرور الطريق الوعر.
القصة السابعة
بيوم من الأيام دخل أحد الأساتذة على طلابه وأراد أن يعلمهم عبرة وموعظة من خلال قصة يسردها لهم…
الأستاذ: “بيوم من الأيام أبحرت سفينة ليس بها إلا زوج وزوجته يريدا أن يستمتعا بوقتهما، ولكن من سوء حظهما أن السفينة تعرضت للغرق ولم يكن بها سوى قارب نجاة واحد ولا يتسع سوى لشخص واحد، دفع الزوج زوجته وأسرع إلى القارب وفر ناجيا بحياته، هنا صرخت الزوجة بجملة واحدة، أيستطيع أي منكم تخمينها؟!”.
جميع الطلاب أخذوا يتداولون آرائهم حول ندم الزوجة على زواجها من رجل مثله إلا طالب واحد قد خيم عليه الصمت، أثار صمته فضول أستاذه فسأله عن الجملة التي قالتها الزوجة قبل انتهاء حياتها في أحضان البحر الموحشة…
الطالب: “اعتني بطفلي؟”
ذهل الأستاذ من إجابته، وسأله كيف أدرك الإجابة الصحيحة، أجابه طالبه: “تلك كانت جملة والدتي الوحيدة لوالدي قبل وفاتها”.
حزن الأستاذ على حال طالبه، واستكمل القصة قائلا: “وبعدها غرقت السفينة وتوفيت الزوجة، عاد الأب إلى منزله واعتنى بابنتهما الوحيدة، وعندما كبرت واشتد عودها أصيب والدها بمرض وتوفي إثره؛ بعدها كانت الفتاة تقلب في أغراض والدها اشتياقا وحنينا فوجدت مذكراته وقد كتب فيها:
بعدما أجمع كل الأطباء على قرب وفاتها بسبب ما ألم بها من مرض خطير قاتل، سافرت بها لرؤية العالم والاستمتاع وحتى أخفف عنها شدة الوجع، سافرنا برحلة بحرية ومن سوء حظنا تعرضت السفينة للغرق، اضطررت للتمسك بفرصة النجاة الوحيدة من أجل صغيرتنا، ولولاها ما تمسكت بمثل هذه الحياة، تمنيت حينها لو أرتمي معها في أعماق البحر ولا أفترق عنها مطلقا، تمنيت لو أننا حيينا سويا ومتنا أيضا سويا”.
تأكد الأستاذ من أن طلابه قد فهموا المغزى من قصته والذي أراد أن يوصله إليهم، وهو عدم الحكم على الأشياء من ظاهرها فقط، وأن هناك تعقيدات بالحياة تحتاج حكمة ورجاحة عقل حتى نتمكن من فهمها.
اقرأ أيضـــــــــــا:
قصص وعبر في الحياة من أجمل ما يكون فاغتنمها
4 قصص وعبر من الحياة هادفة الجزء الأول
قصص وعبر من الحياة هادفة الجزء الثاني