قصـــــــــــــــة انطفاء القمر ج3
ولازلنا نستكمل قصة “انطفاء القمر”، القصة التي تحمل في طياتها وبثناياها الكثير من الحب والتضحية.
قصة عن فتاة ندر مثيلاتها بزماننا، فعلى الرغم من كل مآسي الحياة وصعوباتها إلا إنها استطاعت أن تصمد وتستكمل رسالتها بالحياة، وقد كانت رسالة سامية تمكنت من تأديتها على أفضل وجه على الإطلاق.
انطفـــاء القمر ج3
وتعالت الضحكات، ولكن عندما حان موعد مغادرتها سالت الدموع من عينيها واحتضنت والدتها وعجزت عن التوقف عن البكاء…
والدتها: “لم تصعبين على نفسكِ وعلي الأمر يا حبيبة قلبي؟”
قمر: “الأمر ليس بالهين يا أمي، منذ أن أخبرني وأنا أجد صعوبة وبالكاد أطوع نفسي لتقبل الأمر”
والدتها: “ستعتادين على الأمر يا حبيبتي، ولكن عليكِ الاتصال بي يوميا وإلا لن أسامحكِ يا قمر”.
قمر: “أنتِ أمي وحبيبتي وصديقة عمري الوحيدة، كيف لي ألا أكلمكِ يوميا يا أمي، ولكني سأشتاق إليكِ كثيرا…”
في هذه اللحظة أتاها زوجها…
فؤاد: “قمر ن أرغمكِ على الذهاب معي، سأسهل عليكِ الأمر ولو نسبيا، يمكنكِ المكوث هنا وسآتي إليكِ فور أن تسنح لي كل فرصة”.
قمر: “فؤاد إنني لن أتركك طالما حييت، ولكن الأمر صعب على قلبي، سأعتاد ذلك كما نصحتني أمي”.
انتقلت “قمر” من صعيد مصر لمدن الإمارات، كانت دائما حكيمة في كل تصرفاتها، وكانت عونا لزوجها، على الدوام يعترف بمدى فضلها عليه فقد أزالت عنه الكثر من أعباء الحياة، كان يسميها “كنزي الثمين في الدنيا والآخرة” وتتعالى الضحكات بينهما، ومرت الأيام ووضعت مولودها وقد كان ذكرا أسماه والده “علي”، وكان فرحتهما المنتظرة لكثير من الأيام.
كان “علي” بمثابة الدنيا بأسرها لوالديه، كل طلباته مستجابة حتى قبل أن يذكرها بلسانه، أحباه حبا يندر وجود نظيره بدنيانا، وبعد عامين جاءت البشرى حملت “قمر” للمة الثانية، وبعد شهور حملها المعتادة وضعت مولودها الثاني “محمد”، وعلى الرغم من ذلك إلا أن “علي” كان لوالده بمثابة نور عينيه.
وبعد “محمد” وضعت “قمر” توأما من البنات أسمياهما زينب وفاطمة، كانت “قمر” تعيش أجمل أيام عمرها، وكانت كل عامين تعود لحضن والدتها وتطمئن عليها مع زوجها وأبنائها، ورزقها الله بعائشة بعد عامين أيضا، ومن ثم بأحمد ويوسف.
كانوا أبنائها يحملون صفات جمالها الفاتن وبالأخص البنين، فقد كانت عيونهم خضراء لامعة، ويتسمون بطول القامة وبياض البشرة وجمال ملامح الوجه ونعومة الشعر، وعلى الرغم من هذا الجمال الفاتن إلا أن بناتها على قدر جمالهن إلا إنهن لم يكن على قدر فاتن من الجمال كإخوانهن.
كان “فؤاد” يكن لزوجته “قمر” قدرا لا حدود له من الحب والتقدير، كان يأخذ بمشورتها في أصغر الأمور، كان لا يجد لزوجته الحبيبة بديلا على الإطلاق، فقد اتخذتها زوجة له وصديقا وأبا واعظا وأما حنون، كانت بالنسبة له أيضا بمثابة الابنة والابن، كان لا يمكنه تصور حياته ولو ليوم واحد بعيدا عنها.
كان يغدقها بالحنان، كانت كلما ذكرت ولو شيء بيسير أمامه وجدت ما ذكرته حاضرا بين يديها، كان يتعمد على الدوام ألا يرهقها في إعداد الطعام وتجهيزه فقد كان يأتيها وأبنائهما بالطعام الجاهز من أفخر المطاعم.
إذا جاءا للبلدة بقلب صعيد مصر أخذها في نزهة للمحافظة والتي تبعد كثيرا بمسافة تتجاوز 60 كيلومتر، عندما يجيئان يكونان محملان بالهدايا للجميع بلا استثناء، كانا يشكلان زوجا رائعا لدرجة أن جميع من حولهما كان يتمنى أن يكون ثنائيا مثلهما، ويتمنى ولو نصف سعادتهما والتي كانت على الدوام تنعكس عليهما.
وفي يوم من الأيام بينما كان “فؤاد” في عمله، وبينما كان يقود سيارته أتته نوبة قلبية ففاضت روحه لخالقها، وجد “فؤاد” بسيارته مفارقا للحياة، فكيف حالكِ يا قمر مع هذا الابتلاء العظيم؟!
ومن جديد يأتيها خبر وفاة زوجها، فتركض تجاه المشفى على أمل أن الخبر كاذب وربما تشابه أسماء، وما إن وجدته أمامها وتعرفت عليه انطرحت على الأرض مغشيا عليها، ولكن هذه المرة ليست كالسابق إذ أنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها من أجل أبنائها الصغار والذي كان أكبرهم “علي” وقد كان بالصف الثالث الإعدادي.
كانت “قمر” حينها حاملا ببطنها “إبراهيم” ابنها الأخير، ومن أجمل ما يذكر بقصتنا من تضحيات لهذه السيدة العظيمة “قمر” أنها منذ أيامهما الأولى بالغربة وقد تعاهدا أن من يفارق الحياة أولا يوضع على كاهل الآخر إعادته لبلاد موطنه ليدفن بترابها.
اتخذت “قمر” عهدها لزوجها عهدا أمام خالقها ألا تتهاون فيه، في بداية الأمر حاولوا تعجيزها بكثرة الإجراءات وصعوبتها، ولكنها تحدت المستحيل من أجل الوفاء بعهد قطعته لزوجها وحبيبها الذي فطر قلبها برحيله عنها، “قمر” وقعت عليها صدمة رحيله وتعاملت مع الوضع ولم تنهار كسابق عهدها برحيل والدها ووالد زوجها، بل ازدادت قوة على قوتها لدرجة أنها ذهبت للسفارة المصرية لتتوسل إليهم أن يسمحوا لها أن تعيد جثة زوجها لموطنه.
لاقت تقديرا كبيرا من السفير بنفسه، لقد امتدح في نفسه ما رأى منها من أصالة وكبر وعزة نفس، كانت “قمر” على أتم استعداد لبذل كل ما تملك الغالي والنفيس لقاء راحة زوجها بعد وفاته وتحقيق وصيته.
وبالفعل تحقق لها ما أرادت، لقد أعدت رحلة خاصة من أجل جثمان زوجها، وكانت “قمر” على متنها وقد أودعت أبنائها أمانة عند جارتها ريثما تعود من وطنها بعدما تطمئن على زوجها؛ كانت تكبح مشاعرها بداخلها، ولم تمكث بأرض مصر إلا ثلاثة أيام تحقيقا لعادات صعيدية موروثة وسرعان ما عادت لأبنائها لتستكمل معهم مسيرتها التي كانت تحلم بتحقيقها مع زوجها.
عندما عادت “قمر” وجدت نفسها وحيدة مع سبعة أبناء وثامنهم كلها أيام معلومات ويصل للدنيا، كانت قد أنفقت معظم المال الذي ادخر في تنفيذ وصية زوجها وإعادته للوطن، ولكنها كانت قادرة على تصريف أمورها دون أن تظهر أي شيء أمام غيرها من الناس.
كان واجب على “قمر” الرحيل من الإمارات فور انتهاء مدة إقامتها، والتي من الأساس تنتهي فور انتهاء العام الدراسي؛ وأثناء تلك الأيام حظيت “قمر” بعرض زواج من رائد ولكنها أبت ذلك وبشدة، وعندما سئلت عن السبب أجابت: “زوجي لا يمكنني استبداله برجل آخر مهما كان ومهما عظمت مكانته في الحياة الدنيا”.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
اقرأ أيضا عزيزنا القارئ:
قصص حب سوريا بعنوان حب كلله الزواج!
قصص حب سودانية احببتك اكثر من روحي كاملة
قصص حب من طرف واحد واقعية مؤلمة جدا