قصـة “نباش القبور” الجزء الخامس
أحيانا كثيرة نتصرف في أمور بجهالة وبدلا من إصلاح هذه الأمور نزيدها تعقيدا.
الإنسان بطبيعته فطن وذكي ومستيقظ لكافة أموره، ولابد لنا جميعنا أن نحسن الجمل والعبارات التي تصادفنا بحياتنا، لأنها بكل أوقاتها لا تبعث إلينا هباءا منثورا، وإنما دوما ورائها يكون دلائل وضوابط لا يمكن الاستخفاف بها دوما.
كل ما أعرفه أن الإنسان لا يظلم ولا يجور وإلا عواقبه دوما تكون وخيمة، ولابد له أن يذق نفس الكأس الذي سقاها لغيره، وبرما تكون بطريقة أكبر تجعله يندم طوال عمره.
“نباش القبور” الجزء الخامس
جاءت زوجته فقد استيقظت على صوت الباب الذي أغلق بشدة، سألته: “ما بك؟!، لماذا تبدو شاحب اللون هكذا؟!”
لم ينطق بكلمة واحدة، اكتفى بالنظر إليها، ومن ثم حمل نفسه وذهب لسريره وغط في النوم وكأنه يهرب بنومه من شيء عظيم.
ولكن كيف يطاوعه النوم ويخلصه من أحاسيس الرعب الذي كادت تقتله وتفتك به فتكا، لقد كان مصروعا بصورتها التي لم تفارقه على الإطلاق، والتي كان يراها بكل مكان، فكلما التفت يمينا أو يسارا وجدها بكل ركن من أركان غرفته.
اقتربت منه زوجته في محاولة ثانية منها لتكتشف ما حل بزوجها وجعله بهذه الحالة المريبة، تحدث إليه وصارحها بكل شيء، فبائت الزوجة تلتفت يمينا ويسارا فقد نقل الخوف لقلبها، شرعت تقرأ المعوذات وآية الكرسي، أصابها ذعر وهلع، صرخت في وجه زوجها: “يلزمك ضروريا أن تذهب لشيخ وتقص عليه كل ما يحدث معنا من أشياء غير طبيعية، لا تستهن بالأمر كعادتك”.
صرخ في وجهها صرخة جعلتها تنسى كل ما يعانيان منه حاليا: “أجننتِ أيتها المرأة؟!، أتريدين مني أن أذهب لشيخ وأخبره بأنني أنبش القبور وآخذ الأكفان وأترك الجثث عارية؟!، وأنه بسبب أفعالي هذه هناك ميت يطاردني والجن تساعده على ذلك؟!”
الزوجة بصوت خافت: “لا… لم أقصد ذلك، ولكنك ستخبره عن الجن الذي يطاردك، وعن المرأة العجوز التي التقت بها بالسوق؛ ولا تخبره كليا عن أمر السرقة على الإطلاق”.
وبالفعل بالنهار التالي أحضر الحارس شيخا وأخبره عن مطاردة الجن له، تعجب الشيخ من أمره ولكنه سأله على الفور قائلا: “هل آذيتهم في شيء؟!، كأن سكبت ماءا ساخنا في الحمام، أو حتى بالغرفة هذه؟!، فغرفتك هذه تعتبر جزءا من المقابر أيضا”.
فرد عليه الحارس: “لا لم أفعل أي شيء من كل ما ذكرته”.
صمت الشيخ قليلا ثم تابع حديثه قائلا: “ولكن الجن لا يؤذون أحدا إلا إذا بدأ وأذاهم أو أخذ منهم شيئا يخصهم”.
شعر الحارس بالتوتر الشديد وتصبب عرقا بمجرد انتهاء الشيخ من كلماته، زوجته هي من شعرت بما شعر به.
الشيخ: “اطمئن ولا تقلق، بمشيئة الله سأفعل ما بوسعي حتى أتمكن من تحصينك وزوجتك وأبنائك منهم”.
وبالفعل قرأ القرآن، وأخذ يرش المنزل بأكمله ببعض من المياه التي قرأ عليها، وما إن أنهى حتى استأّن بالرحيل.
شعر الحارس بالهدوء والاطمئنان والراحة النفسية بعض الشيء بعد ما فعله الشيخ، وأخيرا تمكن من النوم، و يا ليته لم يفعل!
بمجرد أن غفا وغاص في النوم، سمع صوتا يناديه بالخارج فقام من نومه وخرج، وكلما اقترب كلما زادت حدة الصوت، وها هو قد اكتشف مصدر الصوت، لقد كان ابنه الوحيد الكبير الذي يبلغ من العمر سبعة عشرة عاما، ومازال يناديه والحارس يبحث عنه في كل الأرجاء، وأخيرا توصل لمكان مصدر صوت ابنه، وجد نفسه أمام قبر مغلق ففتحه بسرعة ونزل السلالم وإذا به يجد أمامه ميتا ملفوفا بكفن، والصوت مازال يناديه، صوت ابنه يناديه.
نبش القبر وشرع في حل العقد وهو يطمئن ابنه ويخبر بألا يخاف ولا يحزن وأن كل شيء سيكون على ما يرام؛ ولكن ما إن أنهى فك العقد ليخرج ابنه وينقذه حتى وجد الكفن فارغا!
سمع أصوات ضحكات عالية، وإذا به ينظر لمدخل القبر فيجده نفس الميت صاحب السنة الذهبية، وما إن التقت العينين ببعضهما البعض، حتى ابتسم الميت ابتسامة شر وقال: “لقد راح وأراح”، وتعالت أصوات ضحكاته من جديد.
استيقظ الحارس فزعا من نومه، كل ذلك كان حلما، ولكنه سمع أصوات صراخ وصيحات من زوجته، هذه المرة حقيقة مؤكدة، ولم يكن حلما من الأساس، وعندما خرج من الغرفة وجدها تحتضن ابنها بالمقابر وتبكي عليه بعدما لفظ آخر أنفاسه مودعا الحياة بأكملها.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
اقرأ أيضا عزيزنا القارئ:
قصص رعب عن القبور بعنوان نباش القبور! الجزء الأول
قصة “نباش القبور” الجزء الثاني
قصة “نباش القبور” الجزء الثالث
قصــة “نباش القبور” الجزء الرابع