قصة “عمر بن عبدالعزيز” الخليفة العادل الذي قتله العرب وبكيت عليه الروم ج2 والأخير
ولازلنا نستكمل قصة سيدنا “عمر بن عبدالعزيز” الخليفة العادل الذي قتله العرب وبكيت عليه الروم، الخليفة الذي تميزت خلافته وانفردت بعدد كبير للغاية من المميزات، والتي كان منها العدل والمساواة ورد المظالم التي كان أسلافه بنو أمية قد ارتكبوها في حق المسلمين، قام بعزل جميع ولاة المسلمين الظالمين وقام بمعاقبتهم أشد العقاب، أعاد العمل بالشورى وأمر بتدوين الحديث النبوي الشريف.
إنه من قال في حقه “الحسن البصري” عندما سمع خبر وفاته: (مات خير الناس).
ولايته رضي الله عنه وأرضاه:
وقد تولى سيدنا “عمر بن عبدالعزيز” ولاية الحجاز في عهد الخليفة الأموي “الوليد بن عبدالملك” ابن عمه، وقد كان حينها ابن الخامسة والعشرين من عمره، وعلى الرغم من صغر سنه وخبرته حينها إلا إنه قد أحسن في ولايته وحكمه للمسلمين حينها، فقد أنشأ مجلسا للشورى وقام فيه بتعيين عشرة من كبار فقهاء مدينة رسول الله المنورة، وجعل لمجلسه اختصاصات في كل شيء.
وفي فترة ولايته للحجاز حدثت مع “عمر بن عبدالعزيز” حادثة عكرت صفوه وكان لها أثرا كبيرا في نفسه رضي الله عنه وأرضاه، وقد كانت حادثة “خبيب بن عبدالله بن الزبير”؛ وقد كان لخبيب ثأر عند بني أمية إذ قتل والده على يد جيش الأمويين والذي كان بقيادة “الحجاج بن يوسف الثقفي” عند تنازع والده على الخلافة مع الأمويين.
فقد كان “خبيب بن عبدالله بن الزبير” يمشي في الناس محدثا إياهم عن ظلم بني أمية واستبدادهم، وبذلك كان يثير الناس عليهم، فسمع بذلك الخليفة وعلى الفور أرسل لعمر بن عبد العزيز أن اجلد “خبيب بن عبدالله بن الزبير” مائة جلدة عقابا له، وقد نفذ “عمر” حكم خليفة المسلمين، وعلى الرغم من أن “خبيب” لم يكمل المائة جلدة ولا حتى ربعها إلا إنه مات!، وبسبب تلك الحادثة التي علقت في ذهن “عمر بن عبدالعزيز” أراد أن يعتزل الولاية نهائيا وأن يترك أي شيء له شأن بالحكم من قريب وحتى من بعيد، ولكن كان خلافه البين مع “الحجاج بن يوسف الثقفي” هو السبب خلف عزله عن الولاية.
موقفه رضي الله عنه وأرضاه من الحجاج وظلمه:
لم تكن العلاقة بين الرجلين سيدنا “عمر بن عبدالعزيز” والحجاج بن يوسف الثقفي مما يمكننا تسميته بخلاف، ولكنها كانت حالة من الكراهية الحادة والتي كانت تجمع بينهما، فقد كان “الحجاج بن يوسف الثقفي” دوما يتابع الدسائس لعمر بن عبدالعزيز في عهد الخليفة ابن عمه “الوليد” والذي كان زوجا لأخت “عمر” أيضا، وعلى الدوام يكيد له كل التهم ويتبعها بالدلائل الزائفة بأن “عمر” يقوم بجمع كل معارضي الوليد بولايته الحجاز، ويوهم الخليفة الوليد بأن “عمر بن عبدالعزيز” لا يريد من جمع كل هؤلاء المارقين على حكمه إلا الانقضاض بهم على كرسي الخلافة.
ومن ناحية سيدنا “عمر بن عبدالعزيز” فقد كان دائما يحذر الخليفة “الوليد بن عبدالملك” من ظلم الحجاج بن يوسف الثقفي ومن عاقبة ظلمه لأهل العراق، كما أنه كان يذكره بأن الكثير من أهل العراق قد تركوها وجاؤوا إليه لأرض المدينة المنورة هربا من بطش الحجاج وظلمه؛ وفي يوم من الأيام رفض “عمر بن عبدالعزيز” لقاء الحجاج بن يوسف الثقفي”، ولكن الحجاج لن يمررها له مرور الكرم، فقد قدم “الحجاج بن يوسف الثقفي” في أحد الأعوام حاجا لبيت الله الحرام، وكان معه لواء الحج، وقد كتب لخليفة المسلمين “الوليد” حينها كتابا قائلا فيه.. (إن من قبلي من المراق من أهل العراق وأهل الشقاق قد جلوا عن العراق ولجأوا إلى المدينة ومكة، وإن ذلك وهن وضعف من الدولة تخشى عواقبه)!
وكان “الوليد بن عبدالملك” قد مال لرأي الحجاج وقام بعزل “عمر بن عبدالعزيز” عن ولايته بالحجاز، فانتقل سيدنا “عمر بن عبدالعزيز” إلى السويداء بالقرب من دمشق.
خلافته رضي الله عنه وأرضاه:
مكن الله سبحانه وتعالى لسيدنا “عمر بن عبدالعزيز” في الأرض بأن جعله خليفة على المسلمين جميعا، وقد قيل أن الفضل بعد الله سبحانه وتعالى يرجع لرجل يقال له “رجاء بن حيوة” والذي لعب دورا كبيرا في تولية “عمر بن عبدالعزيز” الخلافة، إذ كان “رجاء بن حيوة” مستشار الخليفة.
حينما مرض “سليمان” وكان حينها على فراش الموت يحتضر أشار عليه “رجاء بن حيوة” بأن خير رجال الأرض يستخلفه من بعده هو ابن عمه “عمر بن عبدالعزيز”، فأمضى الملك “سليمان” مشورة مستشاره “رجاء بن حيوة” قبل رحيله عن الحياة، فوضع ولاية العهد في ابن عمه “عمر”.
وعندما تولى سيدنا “عمر بن عبدالعزيز” الخلافة أتاه صاحب الشرطة ليسير بين يديه بالحربة كعادته التي جرت مع الخلفاء من قبله، ولكن سيدنا “عمر” رفض قائلا: ” مالي ولك؟! تنحى عني، إنما أنا رجل من المسلمين”.
ثم سار وساروا معه حتى دخلوا المسجد، فصعد المنبر رضي الله عنه وأرضاه واجتمع الناس إليه، فقال “عمر بن عبدالعزيز: “أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم ولأمركم من تريدون”
فإذا بالمسلمين يصيحون صيحة واحدة جميعهم قائلين: “قد اخترناك لأنفسنا ولأمرنا ورضينا كلنا بك”.
إنجازاته رضي الله عنه وأرضاه:
سيدنا “عمر بن عبدالعزيز” لم يكن خليفة عادلا للمسلمين وحسب، بل كان أيضا إداريا حقيقيا، فقد وضع أمر حسن اختيار وانتقاء الولاة والقضاء نصب عينيه، وكان من أول القرارات التي سمع بها الناس من خليفتهم “عمر بن عبدالعزيز” هو قرار أمره بسحب الجيش الذي كان وقتها يحاصر القسطنطينية، فقد كان مريدا من البداية في وقف الحرب، وراغبا أيضا في عودة الجيش الذي بات يمثل عبئا على الدولة وعلى المدينة المحاصرة نفسها، وقرار “عمر بن عبدالعزيز” هذا بالتحديد جعل كل المصادر الغربية تذكر “عمر بن عبدالعزيز” بكل خير.
وقد كان سيدنا “عمر بن عبدالعزيز” الأكثر حرصا على أموال الناس حتى وإن تمثل الأمر في أبسط الأمور، ففي يوم من الأيام أرسل إلى والي المدينة “أبي بكر بن حزم” حينما أرسل إليه يطلب أوراقا ليكتب فيها أمور ولايته، فرد “عمر بن عبدالعزيز” قائلا له: “أدق قلمك، وقارب بين أسطرك فإني أكره أن أخرج للمسلمين ما لا ينتفعون به”.
وقد كانت أكبر إصلاحاته رضي الله عنه وأرضاه حينما تعرض لبني أمية جميعهم بإجبارهم على ترك كل الأموال والممتلكات من قصور وحدائق وكل الأراضي التي أخذوها دون حق، وقام بردها لبيت مال المسلمين؛ وعلى الرغم من أنها كانت أكبر إنجازاته إلا إنها كانت أيضا أخطر إصلاحاته.
موته رضي الله عنه وأرضاه:
وقد ذكر “ابن كثير” أن مولى لعمر قد وضع له السم في طعامه، وعندما أكل منه “عمر” وأحس بالسم استدعاه “عمر” فسأله عن السبب الذي كان دافعا له عن الغدر به وعما فعل، فأجابه أنه قد أعطي 1000 دينار مقابل فعله ذلك؛ فأخذ “عمر” منه المال كاملا وأرسله لبيت مال المسلمين، وقال للمولى: “اذهب حيث لا يراك أحد فتهلك”!
وقد بلغت مدة مرضه عشرين يوما أمضاها في قرية “دير سمعان” بحمص بسوريا، ومات ودفن بها.
وكان سيدنا ” هو يحتضر يردد آية واحدة (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
وقد كان القاضي “رجاء بن حيوة” على قيد الحياة حينها، وقد أوصاه سيدنا “عمر بن عبدالعزيز” بأن يغسله ويكفنه ويدفنه، وإذا أحل عقدة الكفن أن ينظر لوجهه؛ ولما فعل “رجاء بن حيوة” ذلك إذا بوجهه رضي الله عنه وأرضاه كالقراطيس بياضا.
اقرأ أيضا:
10 قصص نجاح ملهمة لكل شخص يبحث عن طريق النجاح
قصة الإمام الشافعي انتقاله الى مكة و لقائه بالامام مالك
3 قصص نجاح فقراء أغناهم الله وصاروا من أثرياء العالم