ومازلنا نستكمل قصتنا الشيقة ونسرد كل ما بها من أحداث مثيرة، فمازال حال فتاتنا كما هو تسئ الظن بزوجها، وهو بمرور الوقت يزداد كراهية وبغض ليتحول إلى انتقام.
افتراء وتهديد:
وبمجرد سماع صوت أمها، تهددت وتوعدت ابن عمها إن أخبر والديها بما حدث منها ليلة أمس، ستقلب الطاولة عليه وتخبرهم بأنه لم يحسن معاملتها ولم يمسسها ليلة زفافها، وعمدت إلى فتح الباب بابتسامة وسعادة مصطنعة من كليهما؛ دخل الأهل ومعهم هدايا كثيرة وترسم وجوههم الفرحة.
الأم وهي تحضن ابنتها: “هنيئا لكِ يا ابنتي الغالية ومبارك عليكِ”.
الأم وهي تحضن زوج ابنتها فتهمس في أذنه قائلة: “علمت أنك ستسعد ابنتي وقرة عيني، بارك الله لك”.
الأب: “مبروك يا ابنتي الحبيبة، أنتِ هي حقا ابنتي التي ربيتها واعتنيت بها، لقد أدخلتِ الفرح والسرور على قلبي”.
وبارك بقية الأهل والأحبة للعروسين الجدد متمنيين لهما الذرية الصالحة وسعادة أبدية.
وصايا أم قبل رحيلها:
وبعدما ضايفت “نورهان” عائلتها الحنونة ومن معهم، همست لها أمها في خلسة عن الأنظار.
الأم: “كيف أصبحتِ يا ابنتي، وكيف حال زوجكِ معكِ، هل يعاملكِ بلطف ومودة؟”.
الابنة: “ما بالكِ يا أمي، تسألينني عن حياتي وأنت تعلمين ما بقلبي، فكيف لكِ أن تسأليني عن غريب ملكتموه أمري رغما عني”.
الأم: “أنتِ مازلتِ في ضلالكِ، افتحي عينيكِ على الحقيقة التي تدرين لها ظهركِ دائما قبل فوات الأوان، وقبل ندم لا يفيد”.
الابنة: “يا أمي أنتِ بجانبي أم ماذا؟! لا أستطيع التخلي عن وعدي له”.
وتهم الأم بزجر ابنتها عن أفعالها فيحول الأب بين زوجته وابنته قائلا: “كفانا لقد استغرقنا وقتا كثيرا، هيا بنا ولندع العريسين يستمتعان بأجمل أيام حياتهما”.
وأثناء توديع الأم لابنتها تهمس لها في أذنها: “تذكري يا ابنتي طاعة الزوج من طاعة الرب، واتقي الله في زوجك ولا تغضبي خالقكِ منك، استودعكِ الله”.
صفاء وتضحية:
بعد كلام أمها شعرت “نورهان” بالذنب تجاه ابن عمها، فبادرت بالاعتذار منه وطلب الصفح، لكن “مصطفى” لم يقبل اعتذارها إلا بشرط واحد، هو أن بعرف سبب معاملتها له بكل هذا البغض والجفاء، فصارحته بكل شيء؛ فحزن حزنا شديدا عبرت عنه ملامح وجهه الحسن.
مصطفى: “هل تعلمين يا ابنة عمي أنك لم تتعرفي علي شخصيتي بالرغم من السنين الطوال التي قضيناها بجوار بعضنا البعض، أنتِ لا تعلمين عني شيء، أنا لست الذي تظنين، لا أنا بالأناني، ولا الجشع الطامع بأموالك، أنا ابن عمك من تشغله راحتكِ وسعادتكِ”.
نورهان: “أتتكلم حقا يا ابن عمي؟!”
مصطفى: “جربيني، لنتكلم لبعض الوقت جدا وكفانا هزلا، أين ذلك الشاب الذي حكيتِ عنه؟”
نورهان: “لقد سافر إلى بلاد أوروبا لإتمام دراساته العليا”.
مصطفى: “تعرفين أين بالتحديد؟”.
نورهان: “نعم يا ابن عمي، ولكن لما تسألني عنه وعن مكانه، بكل صراحة ما الذي تنوي فعله؟”.
مصطفى: “سآخذكِ إليه وأجمع بكِ من ملك عليكِ قلبك يا ابنة عمي”.
نورهان: “ألا تبالي بأهلنا؟!”
مصطفى: “لا يهمني سوى سعادتكِ”.
نورهان: “ولا حتى بكلام الناس؟!”
مصطفى: “لقد أخبرتكِ للتو كل ما يهمني في الدنيا هو سعادتكِ يا ابنة عمي”.
عندما ذرفت “نورهان” دموع الندم على ما فعلته أمام ابن عمها “مصطفى” أيقن وقتها مدى حبه الشديد لها، وأنه لا يستطيع أن يراها حزينة حتى وإن كان ما سيفعله على حساب نفسه “البعد عنها للأبد بتسليمها لرجل آخر أحبته بشدة”، أو حتى على حساب سمعته أمام أهله والناس؛ لم يبالِ الزوج الحنون إلا بسعادة زوجته والتي تراها مع أحد غيره.
نهاية سعيدة:
عزما على السفر بعد أيام قلائل، وعندما وصلا بحث “مصطفى” عن الشاب في كل مكان حتى وجده؛ فحدد موعدا معه للقائه وعندما حان الموعد اصطحب ابنة عمه من يدها حتى أوصلها إلى مكان الشاب الذي أحبته، ثم تركها وذهب؛ وعندما أدار ظهره عنها امتلأت عيناه بالدموع؛ وها هي الآن بضعة خطوات بينها وبين حبيب قلبها ولكنها لم تستطع أن تجتازهن لتصل إلى حبيبها، إذ رأت زوجها وابن عمها الذي ضحى بكل شيء من أجلها يحول بينها وبين من كانت تعتقد أنها أحبته؛ فرجعت بسرعة البرق حتى لحقت بزوجها وشكرته لأنه لو لم يأخذها إلى حبيبها لما استطاعت أن تعرف مقدار حبها الحقيقي لزوجها وابن عمها الكامن بقلبها.