من هي سميرة عزام؟!
سميرة عزام هي أديبة فلسطينية ولدت عام 1927 ميلاديا، وتوفيت عام 1967 ميلاديا، كانت حياتها قصيرة للغاية ولكنها استطاعت خلالها نشر العديد من القصص القصيرة، واعتبرت أيضا “سميرة عزام” من رواد القصص العربية القصيرة.
عمدت الأديبة “سميرة عزام” إلى تصوير الأماكن والتجارب التي خاضتها كامرأة لاجئة فلسطينية، وكأديبة وصحفية وناشطة حيث أنها عاصرت النكسة وما بعدها.
“نافخ الدوالــــــــيب”
قرر الذهاب لمشاهدة فيلم سينمائي حتى يروح عن نفسها ويشغلها عن الملل الذي تشعر به، وكان الفيلم لحفلة السادسة مساء والتي قد اجتمع الكل على تسميتها بالحفل الماتينية، وكانت السينما بأكملها تعج بأناس أغلبهم من طلبة المدارس، اتخذ له مقعدا وجلس به، وكلها لحظات ووجد نفسه في أتم الاستعداد والتركيز شاخص الأبصار على شاشة كبيرة تعسك صورا ومشاهد لفيلم من تلك الأفلام التي تم طهوها على السريع، والتي لن يستسيغها المشاهدون إلا هؤلاء الذي لديهم عدم سلامة بذوقهم الفني.
ضاق ذرعا من الروية التي يعرضها الفيلم، وقد كان الفيلم لايزال بمنتصفه ولكنه قدر وحكم عليه بأنه لم يكن فيلما قويا يستحق متابعة إكماله من الأساس، ورجح ذلك إلى أن دور السينما يحبذون جعل الأفلام القوية بعطلة نهاية الأسبوع ليضمنوا مزيدا من المشاهدين، وأن مثل هذه الأفلام لتي تعرض أمامه يجعلونها بمنتصف الأسبوع لهؤلاء الذين يقتلهم الملل.
لم يستطع إكمال الفيلم، ووجد نفسه يتسلل للخارج من الباب الخلفي، لم يعلم حينها وجهته ولكنه ذهب وقد خيمت عتمة الغسق على المكان بالخارج، والكل استنجد بإنارة الكهرباء، ذهب ليبحث عن دراجته وإذا به يجد صبيا صغيرا يعبث بالإطارات، كان الصبي ينحني على دولابها عابثا بإطاراتها، وهنا اتضح الأمر له وتبين حقيقته، لماذا الجميع يشتكون من الإطارات وعدم قدرتهم على السير بها، حيث أن المكان هذا بأكمله يستخدمون به الدراجات.
كان الصبي بحركة واحدة من يديه تتحول لإطارات المنفوخة بالهواء إلى إطارات لا تصلح لسير الدراجات، وإذا بيده يضعها على كتف الصبي، فيرتعب الصبي وبالكاد يتمكن من التقاط أنفاسه والعرق البارد ينصب على جبينه؛ لم يتمكن الصبي من رفع رأسه للأعلى، فقام هو بسحبه وعندما نظر لوجهه الملطخ بزيوت التشحيم ثبتت لديه الرؤية، إنه نفس الصبي الذي يعمل بورشة الدراجات القريبة من المكان، وهو نفسه ذات الصبي الذي ذهب إليه لنفخ إطارات دراجاته، وهنا تبين لماذا جميع أصدقائه وزملائه يشتكون من المعضلات التي تواجههم بهذه المنطقة تحديدا بدراجاتهم.
أيقن حينها أن ذلك الصبي ينال ماله منهم بطريقته المعتادة هذه، فازداد حنقا عليه وازداد ضغطا على كتفه….
إذا هذه هي وظيفتك؟!
رد عليه الصبي قائلا: “أرجوك أن تدعني يا سيدي، أقسم بأنني… وصمت الصبي.
تقسم بأنك ماذا؟!، لقد أمسكت بنفسي وأنت تفعل هكذا بدراجتي.
أخبرني ما الذي لديك لتبرر دناءتك هذه؟!
الصبي وقد أزاح يده عن كتفه: “لا توجه لي أصابع الاتهام، إنك لا تعلم ما بي لتتفوه بمثل هذه الكلمات (الدناءة)”.
وكلها ثواني وامتلأ وجه الصبي بالدموع، هنا تحولت مشاعر الحنق والغضب لتعاطف وتودد وحب فضول لمعرفة أسبابه الخفية وراء فعلته والتي لا تليق مطلقا على شخصيته؛ وما هي إلا وهلة من الزمن حتى شرع في توسلات بعينين دامعتين، وواعدا بأنه سينفخ الإطارات مجانا، كما أنه كلما مر عليه سيعتني بدراجته بإصلاح وما شابه ذلك مجانا أيضا.
ابتسم ابتسامة خفيفة أوحت بالاطمئنان لقلب الصبي، والذي على الفور سأله ما إن اطمئن إليه: “هل ستشكوني للبوليس؟!”
لم يكن ينوي من البداية في أمر شكواه، ولكنه طمأنه أيضا بأنه لن يشكوه على الإطلاق، أمسك الصبي بالدراجة وقادها للورشة التي يعمل بها، وهناك أصلحها وقرر الاعتراف للرجل بأمره، تلفت يمينا ويسارا، فعلم الرجل بفراسته أنه يريد مكانا آمنا ليتحدث إليه، دعاه لتناول كوب من القهوة، وهناك أخبره الصبي بأن له إخوة ووالدة تعمل على ماكينة خياطة، وأن والدهم متوفى وجميعهم يعيشون على المال الذي يأتي من الخياطة، والمال القليل الذي يأتي من خلاله، وأنه يضطر لفعل ذلك الأمر حتى يتمكن من توفير احتياجاتهم، وأن والدته لو علمت بشأن ما يفعله لما قبلت منه المال.
وجد نفسه يضع يده بجيبه ويخرج منها الفضية كاملة، ويضعها بيده وينسحب على الفور حتى لا يرى بعينه نظرة الكبرياء وعزة النفس.
اقرأ أيضا عزيزنا القارئ:
قصص قصيرة ستيفن كينج بعنوان “كاري”! الجزء الأول
قصص قصيرة ستيفن كينج بعنوان “كاري”! الجزء الثاني والأخير
4 قصص قصيرة فرانز كافكا الأديب والروائي الألماني