قاضي الإسلام العز بن عبدالسلام
نقدم لكم هذه القصة من موقع قصص واقعيه تحت عنوان قاضي الإسلام العز بن عبدالسلام، حيث يعتبر العلماء والمفكرين القدوة في حياة الأمم، إذا يمكن أن يرفع معه أمة بأكملها وبخاصة في فترات الاضطرابات التي تظهر فيها معادن الناس وبخاصة العلماء، و من أمثلة هؤلاء قاضي الإسلام العز بن عبد السلام، حيث كان العز بن عبد السلام في فترة من أكثر فترات الأمة اضطرابا إذا جاء في نهاية الخلافة العباسية والدولة الأموية وبداية دولة المماليك المفترى عليها.
من هو العز بن عبد السلام؟
يسمى أبو محمد عز الدين بن عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذب السُّلمي الشافعي، تأتي أصوله من بلاد المغرب ولد في عام 1181 ميلادية و توفي في عام 1262، ولد العز بن عبد السلام في دمشق وترعرع بها، قام العز بن عبد السلام بدراسة علوم الشريعة والفقه والحديث وكذلك اللغة، واستطاع العز بن عبد السلام أن يتولى الخطابة في الجامع الأموي، وكان المسئول عن التدريس في ركن الغزالي، عرف عنه علمه مما جعل الطلبة يتوجهون إليه من مختلف البلدان، وعرف عن العز بن عبد السلام في وقته بأنه كان ناصحًا للحكام ومعارضًا في حال وقعوا في الأخطاء الشرعية مما اوقعه مع الحكام حتى قاموا بحبسه، ولم تكن حروب العز فقط ضد أخطاء الحكام فقط وإنما أيضًا ضد جهل البعض من العلماء.
هاجر العز بن عبد السلام إلى مصر بعد انتصار نجم الدين أيوب حاكم مصر على الملك الصالح إسماعيل والي دمشق وكان نجم الدين في استقباله حين جاء وهناك عين قاضيًا للقضاة، كما كان مدرسًا و يعطي الفتاوى وكان خطيبًا لمسجد عمرو بن العاص، لم تخلو حياته من الجهاد ففي زمنه كانت حروب التتار ولم يتخلف عن ملاقاتهم وكذلك الصليبيين، مات العز بن عبد السلام في القاهرة و دفن فيها، وقد وصل العز بن عبد السلام بعلمه إلى أن اصبح على رأس المذهب.
بلغ العز بن عبد السلام رتبة المجاهد نظرًا لغزارة علمه في أمور الفقه وأصول الدين والشريعة واللغة وما يتمتع به من الزهد والصلاح والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف حتى ترأس المذهب الذي ينتمي اليه وهوا المذهب الشافعي، و قد تتلمذ علي يديه ابن دقيق العيد الذي أصبح شيخًا للإسلام.
ألقاب العز بن عبد السلام
لقب العز بن عبد السلام ببعض الألقاب منها سلطان العلماء وبائع الملوك، قاضي الإسلام، شيخ الإسلام، القاضي المجاهد.
مواقف من حياة العز بن عبد السلام
أكثر ما يميز العز بن عبد السلام هو مبادئه ومواقفه في الحياة التي جعلته دائمًا سيفًا في وجه الظلم والجهل وكل ما يخالف الشريعة مما جعل حياته سلسلة من المواجهات مع الحكام ومع العلماء في زمنه، ومن هذه المواقف موقفه من إجراءات الصالح إسماعيل في دمشق عندما تحالف مع الصليبيين لقتال نجم الدين أيوب في مصر إذ رفض هذا التحالف علانية على المنبر وحرض الناس ضد والي دمشق فعزله وسجنه إلى أن هاجر إلى مصر فتنازل له الشيخ عبد العظيم المنذر عن منصبه في الإفتاء.
تولي العز بن عبد السلام منصب الإفتاء والتدريس في المدرسة الصالحية بعد حضوره إلى مصر وفي يوم العيد وعندما كان موكب الملك يسير في الشوارع والجميع يبدي فروض الولاء والطاعة نادى العز بن عبد السلام الحاكم باسمه مجردًا (أيوب) فالتفت يستوضح من يناديه باسمه فوجده العز فاخبره كيف يقبل ان تباع الخمر في مكان يحكمه، إلا أن الحاكم أخبره أنه لا يعلم وبأن هذا من عصر أبيه ثم أبلغه الإمام بالأماكن التي يباع فيها الخمر فأمر بمنع بيع الخمور, وهنا سأل أحد تلاميذ الإمام كيف تخاطب الحاكم هكذا فأخبره أنه وجده مختالًا بما هو فيه فأراد ان يرده قبل أن يأخذه خيلائه وغروره.
كانت واحدة من أجرء مواقف أو مصادمات الإمام هى مواجهته للمماليك وهم في أبهتهم وعزهم، فقد كانوا يملكون زمام الأمور في مصر وخرج يخبر بأنهم ورغم كل ذلك مازالوا مماليك أي عبيد، فذهب المماليك إليه وسألوه ما الحل فقال رددنا بيعكم، مما أغضب أمراء المماليك فشكوا إلى الملك فقال إن الأمر لا يعنيني وعندما سمع العز بن عبد السلام بذلك عزل نفسه من مناصبه وجهز نفسه وأهل بيته ورحل عن مصر وخرج خلفه المصريين بمختلف طوائفهم، وعندما علم نجم الدين أيوب ذهب خلفه واسترضاه فأخبره أن المماليك يجب أن يباعوا في مزاد علني فحاولوا ملاطفته و استرضاءه ففشلوا، ثم ذهبوا لقتله وعندما خرج ورآه نائب السلطنة فزع وخاف وقال ماذا تفعل بنا؟، قال ابيعكم في المزاد، فسأله وتقبض ثمننا!، قال نعم، وأين تضعه؟، قال فيما ينفع المسلمين فوافقوا وفعل.
عندما مات العز بن عبد السلام وكانت جنازته تمر تحت أسوار القلعة ورآها الظاهر بيبرس قال”اليوم استقر أمري في الملك” مما يدل على مدي المهابة التي لهذا العالم و الخوف في قلب الحكام وجميعنا يعرف كم كانت قوة وجبروت الظاهر بيبرس.
حياة العز بن عبد السلام ومواقفه هى دروس لو وعاها كل عالم لرفع الامة إلى عنان السماء فالعالم أعلى من أي سلطان وأعلى من أي منصب، العالم هو التاج الذي تتزين به الأمم وعندما يستطيع العالم أن يصل إلى أن يصبح تاجًا للرؤوس وليس مطية ستجد مهابته في كل القلوب وعلى رأسهم الحكام.