قصة طويلة ذات عبرة لا تقدر بكنوز الأرض
إن من أجمل ما يمكننا تعلمه أن القراءة تمنحنا القدرة على الانتقال بين الكثير من العوالم بين الماضي والحاضر وأحيانا كثيرة المستقبل أيضا بسهولة ويسر، وإن حياة واحدة لا تكفي لذا علينا أن نبحث على الدوام عن قصص نقرأها ونأخذ منها حيوات كثيرة.
ومن أجمل ما ستقرأ يوما قصص مليئة بالعبر والعظات بها حياة آخرين أتوا لنا بفائدة تجاربهم.
القصـــــــــة:
من قصص طويلة ذات عبر وعظات…
جاء في الخبر أنه كان هناك ملك من ملوك الزمن القديم، يحكى أنه في يوم من الأيام اعتلى سطح قصره بعد صلاة الفجر مباشرة، وصار يجول بنظره يمينا ويسارا وينظر إلى المدينة العظيمة من حوله ويطمئن على أحوالها، كان المنظر مهيبا من شدة جماله وحلاوته ووقع أثره على نفس الملك.
ومع لحظة شروق الشمس إذا بعيني الملك تقع على امرأة بحديقة منزلها، وقد أعطاها الله سبحانه وتعالى من الجمال وشدته ما هو به عليم سبحانه وتعالى، من عليها خالقها سبحانه وتعالى بجمال يعجز أي لسان عن وصفه على الإطلاق، جمال تاريخي يضرب به الأمثلة لشدته وندرته.
ومن شدة جمالها لم يستطع الملك أن يتخطاه، فسأل إحدى جواريه: “من تكون هذه الجميلة؟!”
فأجابته الجارية بأنها زوجة أحد الرجال الذين يعملون لديه، وحينما أخبرته عن اسم زوجها اكتشف الملك أنه يعلمه جيدا فقد كان رجلا من رجال قصره، وعلى الفور أرسل الملك في طلب الرجل، وسأله عن أحواله وكيف تسري به أمور الحياة، فحمد الله الرجل وأثنى عليه وذكر الكثير والكثير من النعم التي تتغمده بفضل من ربه ومنة، فأخبره الملك بأنه أراد منه أن يوصل رسالة لبلد ما، ولكنه سيتوجب عليه بألا يعود من هذه البلاد حتى يعطونه ردا على رسالته.
فقال الرجل: “أنا في خدمتك دائما أيها الملك”.
فسأله الملك: “ومتي ستذهب بالرسالة إذا؟!”
فقال الرجل مجيبا على سؤال ملكه: “وقتما أردت يا سيدي، إن أردت غدا فغدا بمشيئة الله تعالى”.
فقال الملك: “إذا فغدا”
فعاد الرجل إلى منزله وبعدما انتهى من عاداته التي يفعلها اليومية العادية أعلم زوجته بأمر سفره، وكان قد وضع رسالة الملك تحت وسادته، وعندما جن الليل اتخذ مهجعه وأخذ نصيبه من النوم حتى طلوع الصبع، فاستيقظ على صلاة الفجر أدى فرضه وأفطر وحمل نفسه على الذهاب إلى البلاد، ولكنه كان قد نسي كليا أمر الرسالة التي جعلها تحت وسادته.
كان الملك قد رآه وهو مغادر البلاد، فذهب لمنزله وطرق الباب، فسألت زوجة الرجل: “من الطارق؟”
فقال مجيبا: “إنني الملك”.
ففتحت الزوجة الباب ورحبت بقدومه، وعندما دخل جاءته بالضيافة التي يستحقها، كانت حذرة في كل أفعالها وحركاتها حتى وإن صغرت..
قالت الزوجة: “إنني أرى الملك عندنا اليوم، أيمكنني أن أعرف السبب”
فقال الملك: “لا سبب إنني مجرد ضيف زائر”.
على الفور تبادر في ذهن المرأة الذكية أن ملك البلاد قد بعث بزوجها في مهمة خارج البلاد، وها هو الآن حل بمنزلها ضيف زائر، فأيقنت أن هناك شيء خاطئ بالأمر.
فطنت المرأة للموقف الذي وضعت بداخله، كما أنها كانت على دراية بأنها لا حول لها ولا قوة ولا حيلة من الأساس أمام ملك البلاد؛ تبادر إلى ذهنها أنه الملك وما وصل إلى ما وصل إليه من ملك للبلاد أجمع إلا ولأن به من المروءة والشهامة ما به، فأرادت أن تستحثه لتخرج أفضل ما بداخله…
فقالت المرأة: “أتذكر يا مولاي قول الإمام الشافعي (سأترك ماءكم من غير ورد وذاك لكثرة الوارد فيه، إذا سقط الذباب على طعام رفعت يدي ونفسي تشتهيه، وتجنبت الأسود ورود ماء إذا كان الكلاب ولغن فيه إذا شرب الأسد من خلف كلب فذاك الأسد لا خير فيه)”
فإذا بالملك بالكاد يأخذ أنفاسه وقد تصبب عرقا، وظهرت على ملامحه ما ظهر من علامات الحرج والضيق من نفسه مما فعله بحقها، فأطبقت المرأة الذكية قائلة: ” وما أحسن يا مولاي قول الشاعر: قل للذي شفه الغرام بنا، وصاحب الغدر غير مصحوب والله لا قال قائل أبدًا، قد أكل الليث فضلة الذيب”.
وقع حديثها على قلبه كالسهام، لم يستطع أن يقول شيئا أو يفعل شيئا إلا إنه نهض من مقعده وخرج على الفور، ومن شدة تأثره بحديثها نسي كليا حذائه؛ كان حينها زوجها قد أدرك أنه قد نسي رسالة الملك فعاد مسرعا للمنزل ليجلبها، فلاحظ حذاء الملك بمنزله فأيقن أن هناك خطب قد حدث فالملك يرسله لبلاد بعيدة ويجد حذائه بمنزله.
لم يتحدث الرجل لزوجته، حمل الرسالة وأوصلها وانتظر الرد عليها، وأتى به إلى الملك ولكنه كان يحمل في قلبه هما لا يعلم به إلا الله انكسار بخاطره، وعندما عاد أغدق عليه الملك بالهدايا والعطايا، وجعله ينصرف إلى أهله.
وعندما عاد لزوجته طلب منها أن تذهب برفقته إلى السوق، وهناك قام بشراء عقد لها من الذهب الخالص، وما إن عادا للمنزل سويا طلب منها أن تذهب إلى أهلها وتريهم عقدها الجديد، ففعلت.
ذهبت لأهلها ومرت الأيام متواترة ولم يأتيها رد من زوجها ولا خبر عنه، فقلق أخوها بشأنها وسألها عن السبب فأخبرته بأنها لا تدري شيء، فحمل نفسه وذهب لزوج أخته وسأله عن السبب يريد توضيحا لتركه لأخته وإلا ذهبا إلى القاضي سويا.
فذهبا للقاضي ولم يجداه بالمنزل كان عند الملك، فذهبا إليه عند الملك…
قال أخوها: “أيها القاضي كان لدي بستان به الكثير من الأشجار، فأهديته لهذا الرجل فهدم أسواره وقطع أشجاره ولعب فيه ومن ثم أعاده إلي دون أن يعلمني بالسبب”.
فنظر القاضي إلى الرجل الذي قال: “لا والله يا سيدي القاضي ما هدمته ولا قطعت فيه شجرة ولا هدمت أسواره، ولكني أعدته كما كان عليه من ذي قبل”.
فنظر القاضي لأخيها يريد ردا، فقال: “صدق والله، وكلنه لماذا أعاده ورده علي؟! اسأله يا سيدي القاضي”.
فقال الرجل: “ما رددته إلا لأني وجدت فيه أثر الأسد، فخشيت أن أنام في بستاني فيأتيني الأسد ويأكلني”.
هنا قال الملك الذي فطن للأمر: “اطمئن لقد طردنا ذاك الأسد من بستانك، ولن يعود إليه مرة أخرى فوالله ما أكل مثقال ذرة من بستانك، وأبشرك بأن بستانك حصن حصين، رد عليك بستانك فوالله نعم البستان هو بستانك”.
اقرأ أيضا: قصص طويلة ذات عبرة عميقة لكل من يعتبر!