إن القصص فن ظهر منذ قديم الزمان، والكثير من القصص في الأصل تكون هادفة وقيمة ولابد لها أن تحمل في طياتها العبرة والموعظة.
ومن العجيب أن بالقصص عبر ومواعظ تؤخذ على حسب سن المتلقي لها، وبكل قصة يوجد بها عظات لجميع الأعمار، فالقصص بطبيعتها لا تقتصر على الصغار والأطفال وحسب، وإنما هي أيضا للكبار.
القصص بعبرها ومواعظها لكل من يأخذ العبرة والموعظة منها.
القصـــــة الأولى (لا تجعل الذئاب شهوداً لك):
بيوم من الأيام كان هناك رجل وزوجته جالسين في سهرة، كانت هذه الزوجة حاملا وبأيامها الأخيرة قبل وضع جنينها، كانا كلاهما متأهباً لموعد الولادة، ولم يكن الزوج يملك من متاع الدنيا إلا خروف وكلب.
فقال الزوج لزوجته: “أتعلمين يا زوجتي إن رزقت منكِ بصبي سأذبح الخروف، ولكني إن رزقت بصبية فسأذبح الكلب”!
جرت العادة منذ قدم الزمان حب الذكور وتفضيلهم عن الإناث مع كثير من الناس، كان الكلب حاضراً وشاهداً على الحديث السهرة الذي دار بين مالكه وزوجته الحامل.
كان الكلب عنده ليس بكلب عادي، فقد كان ضخماً للغاية وأصيل أيضاً، فنظر الكلب بطرف عينيه لزوجة مالكه وأمعن النظر بها فرأى حملها مستعرضا ويميل بشدة تجاه اليسار، وكتفها الأيمن ينزل شيئا يسيراً، فأيقن في قرارة نفسه أنها حامل في أنثى!
اتخذ قراراً مع نفسه بالهرب بنفسه قبل أن يكون ذبيحة، انتظرهما حتى ناما، مع بداية طلوع الشمس قرر الرحيل، ولكنه ذهب للخروف ليودعه قبل ذهابه، سرد الكلب القصة كاملة للخروف، وما إن شرع يودعه فقال له الخروف: “أخبرني يا صديقي ربما انقبلت الآية وأنجبت الزوجة صبياً، حينها إذاً أذبح أنا وأعلق ويفصل لحمي عن عظامي؟!”
أردف الخروف قائلا: “خذني معك ولا تتركني وحيدا هنا”.
فقام الكلب بفك عقدة الحبل للخروف وأخذه معه، صارا يسيران ويسيران في الطرقات حتى وصلا لسهل واسع للغاية بقلب غابة بعيدا عن كل الأنظار، وأول ما وصلا قال الكلب للخروف: “إليك كل هذه الخضرة والأعشاب على مد البصر صارت ملكاً لك، كل منها حتى تشبع ومهما أكلت منها لن تنتهي؛ أما عني فسأذهب لأجد شيئا ما لآكله، وسأعود إليك في الحال”.
وبالفعل ذهب الكلب يبحث له عن طعام، أما عن الخرف فصار يأكل من عشب السهل الأخضر وبجانبه المياه العذبة، وفجأة ظهرت أمامه بقرة ضخمة، وسألته غاضبة: “من سمح لك أن تأكل من سهلي؟!”
فقال الخروف وقد ظهر عليه الخوف الشديد: “ومن أين لكِ بالدليل؟!”
فردت عليه البقرة: “وأي دليل تريده أنت الغريب مني؟!، إنها أرضي وأرض آبائي وأجدادي”.
فسألها الخروف قائلا: “وهل هناك من يشهد معكِ بأنها أرضكِ وأرض آبائكِ وأجدادكِ كما تدعين؟!”
فقالت البقرة بغضب عارم: “أنا أدعي؟!، جميع من حولي يشهد بأنها أرضي وأرض آبائي وأجدادي من قبل، وأنك أنت الدخيل”.
فطلب منها الكلب: “آتيني بشهودكِ إذاً”.
فكرت البقرة محتارة في أمره حيث أنها ولأول مرة تصبح في موقف مثل هذا، وإذا بمجموعة من الذئاب فجأة تمر من جوارهما، نادت عليهم البقرة، وكانوا يعرفونها جيدا ويعرفون أنها مالكة الأرض، فطلبت منهم البقرة: “هل يمكنكم أن تشهدوا بأن هذه الأرض أرضي؟”
فأجابها كبيرهم: “بكل تأكيد يمكننا قول الصدق والشهادة بالحق، هذه الأرض ملكك ومن قبل كانت لآبائك وأجدادك”!
وبينما كانوا يصرخون جميعا: “الأرض ملكك وملك أبيكِ وجدكِ”، كان الخروف يموت من شدة الخوف، أما الذئاب فكانوا من الأساس يضعون أعينهم على الخروف نفسه.
وبينما كانوا الذئاب يصرخون في وجه الخروف بأنها أرض البقرة وأن عليه الرحيل، كان الكلب وراء صخرة ضخمة يرى ويسمع كل شيء، فأصدر صوتا مرعبا من خلف التلال، أرعب الذئاب وتخافت صوتهم شيئا فشيئا، وأصدر الصوت الثاني الكلب من خلف التلال فسكتوا جميعا!
فصرخت البقرة فيهم قائلة: “ما بكم لم صمتوا فجأة؟!”
فقال كبير الذئاب: “إنني متيقن أن الأراضي التي خلف التلال هي لأبيكِ، والأراضي التي تواجهها من الناحية الأخرى هي لجدك، وأما الأراضي التي خلفنا فهي قد ورثتها عن أمكِ، أما هذه الأرض التي نقف عليها فالله أعلم”!
قالت البقرة بحزن دفين: “من يجعل الذئاب شهودا له تضيع حدود أراضيه”!
القصـــــة الثانية (قصة الإخوة):
بيوم من الأيام كان هناك أخوان قد ورثا عن أبيهما الراحل عن الحياة قطعة أرض كبيرة للغاية، اقتسماها بعدل الله سبحانه وتعالى، كانت توجد بين قطعتين الأرض بعد اقتسامها قناة مياه تروى بها الأرض، وبالرغم من أن كل منهما اشتغل بزراعة أرضه وحصادها وجمع ثمارها وإخراج صدقاتها إلا أنهما كانا سندا وعوناً لبعضهما البعض.
ومرت الأيام بينهما والمحبة كانت تغلف طبيعة حياتهما حتى جاء اليوم الذي لم يكن بالحسبان، اختلفا بينهما والمشكلة التي بدأت صغيرة تفاقمت بينهما حيث أن الأخ الصغير تجاوز حدوده في لحظة غضب مع أخيه الكبير، وأخيرا وجد الشيطان بينهما مدخل وتمكن من إحراقهما بنيران الغضب.
الأخ الكبير لم يرضه معاملة أخيه الصغير، والأخ الصغير لم يرضه صراخ أخيه الكبير في وجهه وضربه إياه، وكل منهما انتظر اعتذار الثاني، فلم يحدث أي منهما الآخر، واشتد الخلاف والنزاع بينهما، وتوعد كل منهما الآخر.
وبيوم من الأيام بينما كان الأخ الكبير جالسا بمنزله إذا الباب يطرق، ذهب ليجيب الطارق وإذا به يجده رجلا غريبا، سأله الأخ الكبير: “ماذا تريد؟!”
فأجابه الرجل الغريب: “أريد عملا، فهل عندك عمل أقوم به وتأجرني عليه؟!”
ونظرا لشدة غضبه من أخيه الصغير شغله في الحال، ولكنه قال له: “لا أريدك تزرع، ولكني أ{يدك أن تقوم ببناء حائط ضخم بين أرضي وأرض أخي، فلا أريد أن أراه مرة ثانية ولا أريده أن يراني، أمامك خمسة أيام أسافر بها، أريدك أن تنهي عملك ليتما أعود”.
وافق الرجل الغريب على طلبه، وبالفعل شرع في البناء والتعمير، وعندما عاد الأخ الكبير من سفره بعد خمسة أيام كما وعد الرجل تفاجأ مما وجد!
لقد وجد أخاه الصغير يقف عند باب داره ينتظره، وأول ما رآه من بعيد ركض تجاهه، وألقى بنفسه في حضنه قائلا: “كنت أعلم أنك الأفضل مني، والأحسن فبالرغم من كل ما فعلته مني إلا أنك عفوت عني، إنني من أخطأت في حقك وتوجب علي الاعتذار منك ولكني عاندت واستمريت في عنادي، يا أخي سامحني فإنني أحبك من كل قلبي”!
كان الأخ الكبير متعجبا من حال أخيه ولم يعرف بعد السبب الذي جعل أخاه يفعل ما فعله معه، وعندما اقترب من أرضه رأى عجب العجاب، لقد رأى جسرا تم بناؤه وتعميره من قبل الرجل الغريب بدلا من الحائط التي أمره ببنائها، اقترب منه وسأله عن سبب بنائه جسراً بدلا من الحائط؟!
فأجابه الرجل الغريب قائلا: “إنني إن بنيت حائطا لأصبحت عازلا بينك وبين أخيك، ومن ثم بين أبنائه وأبنائك، ومن ثم بين أبناء أبنائك وأبناء وأبنائه و لصارت الحائط تكبر وتكبر إلى ما لا نهاية، ولكني بنيت لك عوضا عنها جسراً يقرب بينك وبين أخيك ويزيل الخلاف الذي بينكما”.
فقال الأخ الكبير: “نعم ما فعلت”.
فقال الرجل الغريب: “إذاً إني راحل”.
فقال الأخ الكبير: “ابقى معنا ولا ترحل فنحن نحتاج إليك”.
فابتسم الرجل الغريب وقال: “ولكني أمامي الكثير والكثير من الجسور التي أريد أن أبنيها”.
اقرأ أيضا عزيزنا القارئ:
قصص قبل النوم قصة الخس المسحور والصياد
قصص قبل النوم قصيرة جدا قصة القنفذ وحيوانات الغابة وقصة الحمار والاسد
3 قصص قبل النوم قصيرة يوتيوب للأطفال وللكبار وللحبيب أيضا!