أي فتاة أخرى في نفس مكاني الآن لابد أن تكون في قمة سعادتها ، فالشخص الوحيد الذي شعرت نحوه بالحب يجلس في الخارج الآن يطلب من والدها أن يتزوجها ، ولكن بالنسبة لي الأمر مؤلم وموجع لدرجة أنني أشعر بألم حقيقي في جسدي ، أشعر بمرارة غريبة في حلقي لم أشعر بها من قبل ، لست وحدي من يشعر بالألم لهذا الموقف ، فهو أيضًا يتألم ، ووالده ووالدته كذالك ، حتى والدي يتألم ، وأمي في تربتها أنا أكيدة أنها تتألم أيضًا ، أنها قصة طويلة وتعود لأعوام كثيرة سابقة.
وعد قديم
بدأت القصة حين تزوج والدي من والدتي والتي كانت الصديقة المقربة لزوجة صديقه المفضل ، جمعت بينهم سنوات الدراسة والعمل ويبدو أن الحب أيضًا كان سببًا أخر يجمع والدي بصديقه ، فقد تعرف من خلاله على حب حياته ، كان حبًا من أول نظرة ، ففي يوم زفاف صديقه شاهدها لأول مرة ، لم تكن فائقة الجمال ولكن عيناها كانت تشع حياة وحماس ، أعجبته على الفور ولم يسمح لصديقه وعروسه أن ينصرفا قبل أن تعرفه العروس عليها.
اسمها فريدة وكانت فريدة كما يقول عليها والدي ، تزوجا رغم اعتراض أسرته التي كانت تفضل أن يتزوج من أقاربه حفاظًا على أموال العائلة ولكن والدي فاجئ الجميع وخالف كل التوقعات ، عاشا معًا عامين من الجنة كما يصفهم دائمًا والدي ، ولكن السعادة دائمًا ما تنتهي سريعًا ، فقد توفيت أمي أثناء ولادتي ، احتضنني والدي ورفض أن يقوم برعايتي أي شخص غيره ، على الرغم من أن له أختين وثلاثة أخوة من الذكور متزوجين أيضًا ويمكن لأي أسرة أن تربيني وسط أبناءها ، رفض أبي كل محاولاتهم ، وأصر أن يتولى كل أموري واحتياجاتي بنفسه ، من شدة تعلقه بوالدتي أسماني فريدة أيضًا ، قال لي أنه كان يحب أن ينطق هذا الاسم ولم يكن ليحتمل أن يتوقف عن قوله.
الشخصان الوحيدان اللذان شاركا وساندا أبي في رعايتي كان صديقه وزوجته ، والتي كانت صديقة والدتي وأحبتها أمي كثيرًا وكأنها شقيقتها ، كان أبي يسمح لهم بأخذي إلى منزلهم والبقاء معهم ليوم أو أكثر ، كان المكان الوحيد الذي يطمئن علي فيه.
كان منزلهم جميل ومريح ، في قرية من قرى الأرياف لكنها تحمل العديد من المظاهر الحضارية ولكن مازالت تحتفظ بالمساحات الخضراء الشاسعة وبرائحة الهواء المنعش البعيدة عن أتربة وعوادم سيارات القاهرة ، كنت أحب قضاء الوقت هناك ، حين بلغت الخامسة من عمري بدأ أبي يعاني بشكل كبير من مطالبات أشقائه وشقيقاته له بالزواج ، خاصة أنه الأخ الأكبر وكان من المنتظر أن يكون أسرة كبيرة بها عدد كبير من البنين والبنات ، لذا كان من المحبط بالنسبة لهم أن يكتفي بطفلة واحدة وذكرى زوجة لم يمهلها القدر معه أكثر من عامان.
رفض أبي بشكل قاطع فكرة الزواج مرة أخرى وأقسم أنه لن يمس أي امرأة غير أمي ، كنت أصغر من أن أعي ما معنى ذلك ، وكذلك كنت أصغر من أن أعي الوعد الذي قطعه والدي على نفسه بأن يزوجني أحد أبناء عمومتي حفاظًا على الميراث وأموال الأسرة من الخروج إلى شخص غريب.
لا يمكنني أن أدعي أن رأيي في مسألة اختيار زوجي كان له أهمية ، أعلم جيدًا أن أبي لم يكن راض عن الزواج بهذا الشكل ، فقد أعتذر لي مرارًا أنه لم يعطيني نفس الفرصة التي سبق واقتنصها قديمًا بحبه وزواجه من أمي ،كنت أصمت ، وحين أخلو بنفسي في غرفتي أبكي حتى يغلبني النوم ، حين علمت بهذا الوعد كنت صغيرة قبل دخولي إلى الجامعة بوقت قصير ولم أعر الأمر انتباهًا فقد كان لدي أمور أهم تشغلني ، الدراسة والرغبة في العمل وتحقيق ذاتي ، كان لدي شغف كبير بالكتابة وبالفعل بدأت أكتب حين كنت في العام الثاني من دراستي الجامعية وحينها عرضت علي دار نشر صغيرة أن تتولى نشر قصة ، وحين نجحت القصة الأولى تكرر العرض ، حتى أنني حين أنهيت عامي الأخير في الجامعة كنت أمتلك أكثر من أثنى عشر قصة في مجموعات قصصية منوعة ورواية واحدة.
تمت خطبتي وأنا في عامي الثالث في الجامعة على ابن عمي والذي لم أكن أشعر له بأي شئ ، حسنًا سأكون أكثر صراحة ، كنت أخاف منه أحيانًا ، وأحيانًا أخرى أشعر تجاهه بالقرف ، خاصة حين تصلني أخبار مغامراته مع الفتيات أو حين أراه يغازل فتاة من الموظفات في الشركة ويحاول لمسهن أو لف ذراعه حولهن ، لم يكن الأمر غيرة لا ، كان شعورًا بالقرف والسخافة ، لماذا أعاقب أنا بهذا الشكل ؟ لماذا أعاقب بهذا الشخص ؟
كنت ألجأ لشخص واحد فقط لأشكو له ، أتحدث معه ، أبكي أمامه ، أخبره مخاوفي ، لا أخجل أبدًا أمامه ، لا أخجل من أعترافاتي بأنني لا احب خطيبي لا أشعر تجاهه بأي محبة ، لا أتخيل أن أكون زوجته وأشاركه منزل واحد أو فراش واحد ، لا أريده أن يلمسني لا أريده أن يكون أي شئ سوى قريبي وفقط ، انه ” علي ” الابن الأكبر لصديق والدي وصديقة والدتي ، تربينا معًا ، يكبرني بعامين ، كان يمسك بيدي في كل خطوة أخطوها منذ صغري ، علمني أن أمشي وأتكلم حين كنت صغيرة وحين كبرت قليلًا علمني لعب الكرة ، كان يعتبر نفسه أخي وصديقي ، لكنني دائمًا ما شعرت أنه أقرب لي من كل هذا .
لقد تشاركت مع علي كل لحظاته السعيدة والحزينة ، أتذكر حين عرفنا بمرض والدته وانهرنا جميعًا وحين شفيت ، أتذكر حين تم قبوله في كلية الشرطة ويوم تخرجه ، كنت أشعر أنني أحلق في السماء ، صدقوني حين أخبركم أني علي بالنسبة لي هو الوحيد بعد والدي القادر على إسعادي حتى بأبسط الأشياء ، وها هو علي يجلس خارجًا مع والدي يخبره أنه يريدني زوجة ، لكنني أعلم ، وهو يعلم أنه أمر مستحيل ، لأنني ببساطة مخطوبة لابن عمي وزفافنا بعد أقل من شهر واحد.
حين خرج علي وأسرته حزين لإجابة كان يعلمها مسبقًا ، طرق والدي باب غرفتي ، لم يتحدث ، جلس بجواري على حافة سريري ووضع رأسي على صدره وربت عليها بحنان وكأنه يعتذر عما حدث ، لم استطع الكلام ، ولكن دموعي لم تستطع أن تصمت وحفرت طريقها على خدي .
مع مرور كل يوم واقتراب الزفاف كنت أشعر بالألم يزداد بداخلي ، كنت أشعر بأنني أحترق ، لو لم أكن أعلم أن موتي سيقصم ظهر والدي ويكسر قلب علي لربما قررت الانتحار ، لكنني لا استطيع خذلانهم بهذه الطريقة ، لا يستحقان مني هذا ، كان والدي يلاحظ جيدًا ما يحدث معي ، كان يرى ذبول عيني يومًا بعد يوم ، ويعلم جيدًا ما يدور في رأسي من أفكار وما يدور في قلبي من خوف وحب.
انفجر كل شئ قبل زفافي بيومين حين كنت أرتب غرفتي في منزلنا ، والتي يفترض أن تكون غرفتي مع زوجي بعد يومين ، حين لمحت رسالة على هاتفي ، حين فتحتها لم أدرك ما أشاهده من أول مرة ، أعدته مرتين حتى استوعب ما أرى ، لقد كان خطيبي الذي سيتزوجني بعد يومين في أحضان فتاة أخرى يقيمان علاقة زوج وزوجة ، لم أشعر بأي شئ سوى القرف من جديد ، أردت مواجهته وأنا متأكدة أنني لن أكسب شيئًا من هذه المواجهة ولكنني شعرت أنها محاولة بائسة لرد جزء من كرامتي أمام نفسي.
كان يجلس مع والدي يتحدثان عن العمل كالعادة ، حين خرجت من غرفتي ممسكة بهاتفي لكي يرى والدي وهو ما وصلني ، لم يدافع عن نفسه ، كل ما فعله أنه امسك بهاتفي وألقاه بعيدًا فكسره ، وتوجه إلي بعنف ممسكًا بشعري حول يديه لأنه شعر بالإهانة من طريقة مواجهتي له ، وحين غضب والدي وطلب منه أن يتركني ألقي بي بعيدًا فسقطت على الأرض ، جرى والدي ناحيتي ليتأكد من أنني بخير وحمل هو أشيائه وخرج من المنزل غاضبًا ،هذه المرة لم أتمالك نفسي ، لم أستطع السيطرة على كلماتي نظرت إلى والدي وسألته هل هذا هو الرجل الذي ستأتمنه على ابنتك الوحيدة ؟ هل هذا هو الرجل الذي سيحافظ على فريدة ؟
لم يجيبني والدي فحملت نفسي وذهبت إلى الغرفة التي أغلقها والدي ولا يدخلها أي أحد سواه ، ” غرفة نومه ” التي كانت لوالدتي والتي تم إغلاقها منذ يوم وفاتها ، لا يدخلها سوى أبي كل أسبوعين لينظفها ويجلس فيها قليلًا ومن ثم يخرج منها ولا يسمح لأحد سواه أن يدخلها . صعدت على سرير والدتي ، نمت في منتصف سريرها علني أشم رائحتها التي لم أعرفها ، علني أستشعر فيه حنانها الذي حرمت منه ، علها تشعر بي لتأخذني لجوارها فتريحني من كل العذاب الذي أشعر به الآن.
قطع صوت الباب أفكاري ، كان والدي يقف أمامي مبتسم رغم أنه يعلم مدى حزني ، نظر لي طويلًا ثم طلب مني أن أنهض فورًا لأضع كل ملابسي في حقائب ، لم أفهم ماذا يريد ، حاولت أن أسأله لكنه طلب مني أن أنتهي من الأمر بسرعة لكي أفهم . نفذت طلب والدي وجمعت كافة ملابسي القديمة والجديدة التي لم أرتديها بعد في حقائب ، حوالي 4 حقائب ممتلئة عن أخرها ، طلب والدي أيضًا أن أحمل حاسوبي وكل شئ أحتاج إليه في حياتي اليومية ، حاولت أن أفهم وألححت لكنه رفض أن يقول أي شئ ، صعدنا إلى السيارة وحاولت من جديد مع والدي لكن لم ينطق بكلمة واحدة .. يتبع
اقرا ايضاً : قصة وعد قديم الجزء الثاني