قصص الأنبياء بعنوان نبي الله “يوسف” عليه السلام
إن الفوائد والعبر المأخوذة من قصص الأنبياء كثيرة للغاية لدرجة أننا لا يمكننا أن نعدها أو نحصوها، فقد قال تعالى في سورة يوسف: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، بمعنى أن يعتبر أهل الخير وأهل الشر من الناس أجمعين، فمن فعل منهم مثل ما فعل هؤلاء المهتدين ناله ما نالهم من خير، ومن أعرض عنهم وخالف هديهم ناله ما نال المكذبين والمعرضين؛ وفي ذكرهم بيان للاقتداء بهم وبأخلاقهم والتي من أهمها الصبر والثبات على الحق على الرغم من كل المحن والمآسي التي لاقوها في سبيل الدعوة.
ولا أجمل من التأسي بأخلاقهم، فقد قال تعالى في سورة هود: (وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِى هَٰذِهِ ٱلْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ)، وهذه الآية آية القلوب لتطمئن وتثبت على الحق كما صبر أولو العزم من الرسل، فإن النفوس البشرية تأنس بالاقتداء وتنشط بالأعمال وتهوى المنافسة، وتؤيد النفوس الحق بذكر شواهده وكثرة من قام به.
من قصص الأنبياء قصــــة نبي الله “يوسف” عليه السلام:
كان سيدنا “يوسف” عليه السلام يحظى بحب كبير من أبيه نبي الله “يعقوب” عليه السلام، وقد لمسوا إخوته هذا الحب الكبير من أبيهم لأخيهم “يوسف” وحسب وحده دونا عن غيره من إخوته، فباتت الغيرة تعتصر قلوبهم عصرا والحسد أكل قلوبهم.
وقصة سيدنا “يوسف” عليه السلام بدأت حينما أخبر “يوسف” عليه السلام أباه بأنه رأى في المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له، فطلب أبوه منه ألا يقص رؤياه على إخوته، وذلك لأنهم سيزدادون حسدا له وحقدا عليه وستشتعل نيران الغيرة بقلوبهم أكثر فأكثر.
ومن الممكن أن وصل إلى إخوته خبر رؤياه فجلسوا سويا وتدارسوا فيما بينهم خطة للخلاص منه نهائيا ليخلو لهم وجه أبيهم من بعده، وفي النهاية أجمعوا أمرهم أن يأخذوا أخيهم “يوسف” عليه السلام ويلقوه ببئر عميق.
وبعد كثير من الإلحاح على والدهم اقتنع بأن يذهب صغيره وحبيب قلبه برفقة إخوته لقضاء بعض الوقت في اللهو واللعب، وبالفعل ذهب سيدنا “يوسف” عليه السلام مع إخوته إلى مكان بعيد، وكانوا قد عقدوا النية وعزموا على تنفيذ خطتهم بحذافيرها، وصلوا به للمكان المنشود حيث البئر العميق، وألقوا به أخاهم دون رحمة منهم ولا شفقة من قلوبهم القاسية، ومن ثم عادوا بيتهم وقد حملوا بين أيديهم قميص سيدنا “يوسف” عليه السلام بعدما لطخوه بالدماء في محاولة منهم لطمث الجريمة التي ارتكبوها بحقه.
جاءوا أباهم عشاءً يبكون مدعين أن الذئب قد أكل أخاهم على حين غفلة منهم، وما إن سمع نبي الله “يعقوب” عليه السلام القصة التي أخبروه بها حتى أيقن أن هناك أمرا ما قد دبر لابنه الحبيب، ولكن حينها ماذا عساه أن يفعل؟!، والأدلة التي بين يديه غير كافية على إدانة أبنائه الذين حاكوا جريمة فدبروها ونفذوها في أخيهم الصغير، فما كان منه إلا أن سلم أمره إلى خالقه سبحانه وتعالى طالبا منه الصبر على مصابه الجلل.
أما عن سيدنا “يوسف” عليه السلام فقد بات أسفل البئر في ذهول مما فعله به إخوته، وبات على هذه الحالة حتى جاءته قافلة من قوافل التجار تمر بجوار البئر ويتزودون منه بالمياه، فنزل من بالقافلة واقتربوا من البئر قاصدين الراحة والتزود بالمياه كعادتهم، وما إن اقترب أحد الرجال وألقى بحبل السقاية بالبئر طلبا للماء حتى تبين أن بالبئر ثمة غلام، ففرحوا فرحا شديدا بذلك، إنها بضاعة كسبوها دون تقدير منهم ولا تدبير ولا مشقة ولا نصب، فقرروا بيع ما وجدوه بالبئر.
وبالفعل عرضوا سيدنا “يوسف” عليه السلام للبيع على بعض المارة، والذي وافق واشتراه بثمن زهيد للغاية.
والذي اشتراه من رجال القافلة كان يبدو عليه أنه ذا منصب وجاه، وأيقن أنه قد وفق بشرائه لهذا الغلام كثيرا حيث أنه سيكون له سببا في جلب كثير من الخيرات في الأيام القليلة القادمة؛ واستقر في النهاية الحال بسيدنا “يوسف” عليه السلام ببيت عزيز مصر، وببيت عزيز مصر كانت لسيدنا “يوسف” عليه السلام قصة خاصة؟
لقد استهوى سيدنا “يوسف” عليه السلام قلب زوجة عزيز مصر ما إن اشتد عوده، لقد افتتنت بجماله وسحره ولم تستطع كبح مشاعرها تجاهه فطلبت منه بعد كثير من المقدمات والتمهيدات أن يفعل معها الفاحشة!
ولكن سيدنا “يوسف” عليه السلام رد عليها ردا قاطعا، فقد رفض طلبها رفضا تاما، سأل سيدنا “يوسف” عليه السلام خالقه أن يعينه على أمره ويخلصه من هذه الفتنة التي حلت به (زوجة العزيز وما تريده منه).
كانت زوجة العزيز قد غلقت الأبواب وطلبت منه أن يقع معها في الفاحشة، ولكن نبي الله فضل السجن على أن يلبي طلبها.
قال تعالى في كتابه العزيز في سورة يوسف: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ، وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ، وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ، يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ).
اقرأ أيضا مزيدا من قصص الأنبياء من خلال:
قصص الأنبياء بعنوان يوسف عزيز مصر
وأيضا/ قصص الأنبياء قصة سيدنا يونس عليه السلام والدروس المستفادة منها
قصص الأنبياء سيدنا آدم نبي أسجد الله له الملائكة أجمعين