إن من أغرب الظواهر التي يواجهها عصرنا اليوم، وفي حقيقة الأمر منذ الأزل القديم، ألا وهي ظاهرة السحر الذي بإمكانه تحطيم حياة الإنسان دون دراية بما يحدث له؛ ولكن حمدا لله الذي يجازي عبده بكل سوء ينزل به، وبكل ظالم يبطش به، وكما قال سبحانه وتعالى: ” قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ”.
قصة هاروت وماروت:
ذكر القرآن الكريم قصة هاروت وماروت الملكين الذين نزلا بأمر من الله سبحانه وتعالى، ونزولهما ليس عقابا لهما بل ليعلمان الناس السحر في عصر نبي الله سليمان عليه السلام حتى يميز الناس بين السحر المحرم وكتب السماء المنزلة من قبل الله تعالى.
ما قبل نزولهما:
كانت هناك علاقة شديدة بين الشياطين والكهنة ترجع إلى أن الشياطين كانت تصعد إلى السماء، ويجلسون يتجسسون على الملائكة عندما يخبرهم جبريل عليه السلام عن بعض الأحداث التي سوف تحدث بإذن الله تعالى في المستقبل، فترجع الشياطين لتخبر الكهنة عن ذلك، ويدعون أنهم يعلمون الغيب، ولا يتم إخبارهم الحقيقة؛ ولكن كل حقيقة واحدة يتم دمجها مع الكثير من الكذب، ثم زادت تلك العلاقة التي بين الشياطين والكهنة، حيث قالت الكهنة أن الجن والشياطين يعلمون الغيب، ودونوا تلك الأكاذيب في كتبهم، وحرفوا كتبهم السماوية.
نزول هاروت وماروت:
وابتعدت الكهنة عن الكتب السماوية في عهد نبي الله سليمان عليه السلام وفي قوله تعالى “وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر”، حيث قالوا الكهنة أن ملك نبي الله سليمان عليه السلام، وتسخير الريح والجن تحت إمرته آتاه من السحر؛ وجاء الله بالملكين حتى يعلموا الناس التفريق بين كتب الله السماوية والسحر.
هاروت وماروت وتعليم السحر:
قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم “وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ”، فأخذا يعلمان الناس السحر، ويفرقان بينه وبين كتب الله السماوية، وينصحانهم بإتباع نبي الله سليمان عليه السلام، فكانا يعلمان الناس السحر وقبل تعليمهم للسحر يحذرانهم أن هذا حرام، من يتعلم السحر ويعمل به، وإننا فتنة فلا يجب إتباعنا، ويقولان لهم أيضا أن هذا كفر بالله سبحانه وتعالى ومثواه النار خالدا فيها، وأن من يتبع نصحنا ويبتعد عن السحر، ويتبع الكتب السماوية، ويعلم أن كلامها حق والسحر حرام وأن هذا كفرا بالله فمثواه الجنة خالدا فيها، ولكن منهم من تعلم السحر، فتعلم ما لا ينفع الناس ويضرهم؛ فتعلموا كيف يفرقوا بين المرء وزوجه، وكيفية الأمور التي تضر الناس، وأمور دفع الضرر أيضا ومنعه؛ فكل من يتعلم السحر ويعمل به فهو خارج ملة الإسلام نهائيا، وأن كل ما يقومون به من أمور السحر لا تتم إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، فبدون مشيئته لن يتم إنجاز ما تم عمله.