قصص طويلة

قصص طويلة ذات عبرة عميقة لكل من يعتبر!

إن القصص عالم آخر يختلف عن عالمنا الذي نعيش فيه، حيث يتصور الطفل بطلا خارقا يحلم أن يصبح مثله، أو يسمع عن صفات حسنة تجعله شخصا وطفلا مهذبا جميلا بسبب امتثاله لهذه الصفات التي سمع عنها في القصة، إن القصص اليوم لم تعد من أساليب الترفيه و التسلية فقط، بل يمكننا القول أن القصص أصبحت من وسائل التربية الحديثة.

القصــــــــــــــــــــــــــــة:

عدت من العمل كعادتي بموعدي، طرقت الباب وعندما فتحت زوجتي وجدت شيئا غريبا على ملامحها، وكأن شيئا ما قد حدث، قلقت بشدة فسألتها في لهفة: “ماذا بكِ؟!، أحدث شيء أثناء غيابي عنكم؟!”.

فقالت بصوت مضطرب: “الولد”!

أسرعت إلى غرفة أطفالي الثلاثة قلقا مرتابا، فوجدته على السرير منزوياً في انكسار وفي عينيه بقايا من الدموع، احتضنته بكل حنان وسألته: “ماذا حدث يا بني؟!”

ولكنه من فرط حزنه لم يجبني، تلقائيا وجدت نفسي يدي على جبهته، ولكنه لم يكن مريضا!

ازداد قلقي عليه فسألته ثانية : “ماذا حدث ؟!”

عدت إلى زوجتي وأصررت عليها لتخبرني ما الذي حدث جعل صغيري بهذه الحالة، ولكنها آثرت الصمت فأدركت أنها لا تريد أن تتحدث أمام الطفل الصغير، فأومأت إليها أن تذهب لغرفتنا وتبعتها إلى هناك بعد أن احتضنت صغيري بشدة، وما إن شرعت تروي لي ما حدث منه وما حدث له أيضاً هذا الصباح بدأت أتدارك ما حدث له حرفيا.

فالقصة لها بداية من الأساس والتي لا تعرفها زوجتي، هي شاهدت نصفها الثاني وحسب، وما كان مني إلا أن أروي لها نصف القصة الأول لكي تفهم ما حدث وما يحدث مع صغيرنا.

رويت لها القصة باختصار شديد، إنني أب أعشق النوم بين أطفالي الثلاثة أسماء وعائشة وابني الذي يصغرهما، وكثيراً ما كنت أهرب من غرفة نومي لأجعل نفسي بقامتي الطويلة في سريرهم الصغير، كانوا يسعدون بذلك كثيرا، ولكني في الحقيقة كنت أكثر سعادة منهم؛ وبكل تأكيد نوم مع الصغار يتطلب حكاية قبل النوم، كانت أسماء ابنة الثمانية أعوام تطالبني دائماً بأن أحكي لها قصة سيدنا يوسف، وأما فاطمة فكانت تحب سماع قصة موسي وفرعون أو قصة الرجل الطيب والرجل الشرير كما كانت تسميهما هي.

وأما ابني الصغير فكان يستمع دون أن يبدي أي اعتراض لأي حكاية أحكيها سواء عن سيدنا يوسف أو عن سيدنا موسي؛ وذات ليلة سألت سؤالي المعتاد سيدنا يوسف أم سيدنا موسي، فصاحت كل واحدة من بناتي تنادي بالحكاية التي تحبها، فوجئت ولأول مرة به هو يصيح مقاطعاً الجميع قصة “عمر بن الخطاب”!

 

أصابني التعجب من طلبه فأنا لم أقص عليه من قبل أي قصة لسيدنا عمر بن الخطاب، بل ربما لم أذكر أمامه اسم عمر بن الخطاب من الأساس، فكيف عرف به؟!

سررت كثيرا بشخصيته وقصصت له حكاية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ارتجلت له هذه الحكاية بسرعة: حدثته عن خروجه بالليل يتحسس أحوال رعيته وعندما بكاء الصِبية الذين كانت أمهم تضع على النار قدراً به ماء وحصى وتوهمهم أن به طعاماً سينضج بعد قليل من شدة الجوع الملم بهم، وهي من الأساس تلهيهم حتى يناموا وينسوا الطعام الغير موجود من الأساس!

أخبرته كيف تأثر بهم سيدنا عمر حد البكاء، وكيف خرج مسرعاً، وعاد إليهم وفوق ظهره جوالا من الدقيق كيف أنه أعد الطعام بنفسه للصغار، وما تركهم حتى أكلوا وشبعوا وناموا.

نام صغيري وقد تهللت أساريره بالقصة، وفي الليلة التالية فوجئت به طالبا قصة لسيدنا عمر بن الخطاب، فسألته أتستطيع أن تقصها علينا؟!

فأجابني بتحدي بليغ: “نعم يمكنني فعل ذلك”.

فوجئت بمدى قدرته على سردها كما لو كان قد سجلها ويعيد تسميعها على مسامعي مجددا، وفي الليلة التي تليها أراد قصة أخرى وموقف جديد لعمر بن الخطاب، قصصت عليه قصة ابن القبطي الذي ضربه ابن عمرو بن العاص، وأن سيدنا عمر بن الخطاب وضع السوط في يد ابن القبطي وجعله يضرب ابن العاص ليأخذ بحقه، في الليلة التالية كرر قصة ابن القبطي فقد حفظها أيضا، وجدت متعة بالغة في سرد قصص عمر بن الخطاب ومواقفه لما لاقيته من اهتمام منقطع النظير من صغيري.

مضى شهر كامل وربما أكثر وفي كل ليلة أحكي له قصة فيعيدها لي في الليلة التالية، تارة عدل عمر، ومرة عن مدى تقواه، وأخرى عن قوته في الحق، واستمريت هكذا حتى فاجئني في إحدى الليالي بسؤال: “أبي هل مات عمر بن الخطاب؟”

لثواني وجدت نفسي أريد أن أخبره بأنه مات ورحل عن عالمنا، ولكني كبحت نفسي فقد رأيت بعينيه مدى تعلقه بعمر بن الخطاب، خشيت عليه من الصدمة، فما كان مني إلا أن تهربت من الإجابة، وبعدها بليالي لازال يطاردني بسؤاله الذي يطارده أيضا ويؤرق عليه حياته الصغيرة يريد إجابة من والده عليه، فبت أتهرب في كل ليلة حتى أنني تخليت عن نومي بغرفتهم الدافئة لكيلا يحاصرني ولا أتمكن من التهرب ككل ليلة!

وصباح نفس اليوم خرج مع والدته، وفي الطريق وجد امرأة وعلى كتفها صبي يبكي كانت تسأل الناس شيئاً تطعم به صغيرها، فصرخ بصوت عالٍ مطمئنا المرأة: “لا تحزني سيأتي عمر بن الخطاب بطعام لك ولصغيرك”!

أمسكت بيده زوجتي بعد أن وضعت بعض النقود بيد السيدة، وفجأة وجد صغيري أمامه شاباً مفتول العضلات يعتدي على رجل ضعيف بالضرب بطريقة عنيفة للغاية، فصرخ فيمن حوله أن يحضر أحدهم “عمر بن الخطاب” ليأخذ الضعيف بوجوده حقه من هذا الشاب الظالم!

فوجئت أمه بكل من في الطريق يلتفت نحوها ونحو صغيري

قررت أن تعود إلى المنزل بسرعة، فسألها صغيري في حيرة وبحزن دفين: “أمي هل مات عمر بن الخطاب؟!”

وعندما دخلت الشقة كان صوت التلفاز عالياً وكان المذيع يسرد مجازر اليهود بأطفالنا في غزة، كانت الصور مُروعة ومقاطع الفيديو تُبكي الكبير منا قبل الصغير، شاهد صغيري البيوت وهي تهدم على رؤوس الأبرياء بداخلها، والرجال العزل وهما يحفرون لاستخراج أشلاء الضحايا دون أن يُحرك العالم شيئًا.

أسرع صغيري نحو التلفاز وبات يحملق في صور النساء والأطفال وهم ينزفون دمًا، والرجال وهم يبكون قهــرًا والبيوت والمدارس والمساجد وقد صارت ترابًا على أجساد المُصلين فيها؛ استدار تجاه أمه وهو يقول والدموع في عينيه: “لقد مات إذن عمر بن الخطاب”.

دفع صغيري باب الغرفة، صمتت زوجتي ولم تكمل الحكاية، وأنا لم أكن في حاجة لأن تكملها فقد انتهت؛ توجه صغيري نحوي بخطوات بطيئة وفي عينية نظرة عتاب : “مات عمر بن الخطاب؟”

اقرأ أيضا عزيزنا القارئ:

قصص طويلة بعنوان تحويل التراب إلى ذهب!

وأيضا/ قصص طويلة بعنوان من يصلح الملح إذا الملح فسد؟!

قصص طويلة بعنوان يوم لن يمحى من الذاكرة!

ريم إبراهيم

أعمل ككتابة محتوي مختص في القصص في موقع قصص واقعية منذ 5 اعوام وشاركت بأكثر من 1500 قصة علي مدار سنين عملي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى