إن “يوسف السباعي” من مشاهير الكتاب العملاقة بمصر، بالرغم من التحاقه بالكلية الحربية وصار ضابطا وصارت حياته معروفة بالصرامة في التعاملات إلا أنه كان يمتلك قلبا مفعما بالرقة حيث لٌقب بفارس الرومانسية، “يوسف السباعي” استطاع أن يصوغ بقلبه الرقيق أجمل قصص وروايات الغرام والرومانسية ويجعلها نافذة يعبر بها عن كل ما يشعر بقلبه مرهف الأحاسيس، إنه حقا شخصية جميلة فعلى الرغم من كونه كاتبا مشهورا إلا أنه أيضا كان وزيرا ودبلوماسيا قديرا.
حياة “يوسف السباعي”:
يرجع الفضل في نشأة كاتبنا الأدبية إلى والده “محمد السباعي” الذي كان متعمقا إلى أبعد الحدود في الآداب العربية شعرا ونثرا بالإضافة إلى الآداب الأوروبية لقدراه على إتقان وإجادة اللغة الإنجليزية حيث أنه كان يترجم العديد من تلك الأعمال الأوروبية، وكان يستخدم صغيره “يوسف السباعي” في البحث عن أصول المقالات وتجميعها من المكتبات المختلفة، ومن ثم إرسالها مجددا إلى المطبعات لإخراجها إلى القراء، ومن الكتب التي ترجمها “محمد السباعي” كتاب الأبطال وعبادة البطولة لتوماس كارلايل؛ لقد كان كاتبنا على الرغم من صغر سنه إلا أنه كان مولعا بالأدب فقد حفظ أشعار “عمر الخيام” كاملة والتي قام والده بترجمتها من اللغة الإنجليزية؛ وقبل انتهاء عمر والده كان قد بدأ في تأليف قصة “الفيلسوف” ولم ينهها ووافته المنية، فقام ابنه بتكملة قصة والده وطبعها 1957 ميلاديا بمقدمة من تأليف الكاتب الكبير “طه حسين”، وعاش الصغير في أحداث قصة والده التي عمد إلى إنهاء كتابتها كاملة.
الوظائف التي شغلها “يوسف السباعي” طوال حياته:
- بداية عمل ضابطا في “سلاح الفرسان” وروائيا وصحفيا.
- وفي سنة 1952 ميلاديا عمل مديرا للمتحف الحربي.
- أما في سنة 1956 ميلاديا تم اختياره كسكرتير للمجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون.
- وفي سنة1957 ميلاديا عمل سكرتير لمنظمة تضامن الشعوب الآسيوية والإفريقية.
- في سنة 1967ميلاديا عمل رئيسا لتحرير مجلة “آخر ساعة”.
- في سنة 1971 ميلاديا عمل رئيس مجلس إدارة “دار الهلال”.
- في سنة 1976 ميلاديا عمل رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة “تحرير الأهرام”.
من قصص قصيرة ليوسف السباعي:
“وادي القلوب المحطمة”
إنها حقا قصة في غاية الروعة والجمال، لن تمل النفس أبدا من قراءتها والبحث وراء معانيها المثقلة بأغلى الكلمات، إنها قصة قصيرة تدور حول وادي “وادي القلوب المحطمة” ألقت عليه عجوز هندية لعنة بسبب الظلم الذي لحق بصغيرتها الخادمة التي كانت في غاية الحسن والبهاء، كانت لا تكل ولا تتعب من خدمة سيدها الكبيرين في السن وكانا دائما ما يمتدحانها على ضميرها وإتقانها الشديد وتفانيها في العمل غير أن ولدهما الوحيد والذي سيصير سيدا لذلك الوادي وبكل ما فيه من أراضي شاسعة وأملاك طائلة، فكيف يحق لخادمة أن تتزوج من سيد الوادي؟!
عمدت والدة الشاب على تجريد الفتاة الخادمة من كافة ملابسها، وانهال والد الشاب ضربا على الفتاة بالسوط، فما كان من الفتاة إلا أن فرت هاربة لتحتمي بوالدتها العجوز وهي لم تفهم بعد سبب تغير الاثنين تجاهها.
أٌوجع قلب الأم ما رأت على فتاتها الصغيرة من آثار للتعذيب الشنيع في جسدها الجميل، فرفعه يديها إلى السماء ودعت الله بأن لا يجمع بين قلبين في ذلك الوادي إلا ليصيرا محطمين، وكانت أول لعنة حلت على ابنتها التي هرب معها ابن العجوزين وتزوجها رغما عن أبيه وأمه، فماتت بعد مضي بضعة أسابيع قلائل إذ لدغتها أفعى وهي نائمة في أحضان زوجها.
ومازالت اللعنة قائمة حتى اليوم الذي يحكي فيه صاحبنا قصة حبه العنيفة مع طالبته إذ كان صاحبنا مدرسا لمادة الجغرافيا، كان قلبه متعلقا بفتاة جذبه جمالها من بين جميع الفتيات الأخريات بالصف، ولكنه لم يستطع أن يبوح لها بحبه لأسباب متعددة وعلى رأسها أنها طالبته، ولكن قلب الاثنين متعلق بالآخر، وبيوم من الأيام أثناء شرحه لدرس بالجغرافيا خطر على باله ذكر “وادي القلوب المحطمة” وكل فتاة بتعليق مختلف وتعالت ضحكاتهن، وبعد انتهاء اليوم الدراسي سنحت الفرصة لكليهما أن يصرح بمشاعره للآخر، وأخبرها بحبه بطريقة في غاية الرومانسية، وتحدا سويا لعنة العجوز الهندية الملقاة على “وادي القلوب المحطمة”، فقد رآه الاثنين معا واديا للقلوب السعيدة، وقررا الزواج وأنجبا معا طفلا وطفلة في غاية الجمال ولكن شاءت الأقدار ومازالت لعنة العجوز قائمة إذ نشب حريق بمنزل العاشقين فهم الزوج لإنقاذ أسرته من الحريق المندلع وعلى الرغم من سلامة زوجته وأطفاله إذ أنهم كانوا خارج المنزل وقت اندلاع الحريق إلا أن الزوج الذي جرفه حبه ووفاءه الشديدين لزوجته وصغاره إلى داخل الحريق فمات متأثرا بحروق نشبت في سائر جسده، وتحطم قلوب الثلاثة صغيريه وزوجته التي ظنت أنها تستطيع أن تقهر القدر بالحب والوفاء ، وقد جزاها القدر شر الجزاء !!