ما أجمل القصص وما أجمل سردها لأناس وسماعها من آخرين، وأحيانا كثيرة يتوق القلب إلى سماع قصة مضحكة لتنجلي بضحكاتها الهموم وتُزال، والكثير من القصص يحمل بطياته العبر والحكم المطوعة لمساعدة المتعظ بطريق حياته.
قصة الحاكم الفطن
بأحد الأزمنة القديمة، كان هناك حاكم فطن يتسم برجاحة عقله وتدبره بجميع أحوال مملكته، وذات يوم قام بحيلة ذكية ليعطي جميع من بمملكته درسا؛ إذ أمر أتباعه بوضع صخرة هائلة بمنتصف الطريق الرئيسي لتسده، وأمر أحد الكُتاب بالاختباء خلف شجرة ضخمة بجوار الصخرة الموضوعة، وقيامه بتدوين تصرفات كل من يمر بهذه الصخرة خلال يومين، ففي اليوم الأول مر تاجر مشهور جدا بكافة الأرجاء، وعندما وجد التاجر الصخرة انزعج كثيرا وأخذ يصيح عاليا مهددا ومتوعدا بأنه سوف يُعاقب الفاعل إثر فعلته الحمقاء، ورجع عن طريقه مبتعدا عنها، فضحك الكاتب من تصرفه الأحمق لأنه لو علم أن الحاكم سيعلم بفعلته لما قال شيئا يندم عليه؛ وبنهاية اليوم الأول مر رجل يعمل بالبناء، وعندما اعترضت الصخرة طريقه، لعن حظه العسر، وأيضا رجع عن طريقه وابتعد عن الصخرة، وفي بداية اليوم الثاني مر ثلاثة من الأصدقاء اليافعين، فوجدوا الصخرة تسد الطريق، كل ما بدر منهم من فعل أن سخروا من نظام مملكتهم وأيضا رجعوا عن طريقهم متخذين طريقا سهلا آخر؛ وبنهاية نهار اليوم الثاني مر فلاح فقير بالصخرة فتعجب من وضعيتها بمنتصف الطريق بدون أن يتفوه بكلمة واحدة، وعمد إلى إزالتها عن الطريق حتى لا يتأذى أحدا، ولكنها من سوء حظه ثقيلة جدا، ولكن لم يصيبه الإحباط وأسرع بطلب مساعدة أحد المارة، فتمكنوا من إزالتها ثم رحل المار، وبقي الفلاح لينظف مكان الصخرة بعد إزالتها، وأثناء عمله وجد بمكان الصخرة صندوقا موضوعا بأسفلها به الكثير من القطع الذهبية، كما وجد لوحا مكتوبا بماء الذهب موضوعا به موضحا أن الصندوق وما بداخله هو حق لمن يُزيل الصخرة عن مكانها، إذ أنه يحمل صفات الشخص الإيجابي الذي يسعى لمصلحة غيره.
قصة بائعة اللبن
كان هناك بإحدى القرى الجميلة فتاة فاتنة الجمال يتيمة الأبوين، تربيها جدتها العجوز وتعمل على رعايتها، كانتا تمتلكان بقرتين حلوبتين، تقوم الفتاة كل يوم بحلب اللبن بالصباح الباكر وتحمله فوق رأسها لتبيعه بالسوق، كانت الفتاة خالية من العيوب إلا عيبا واحدا وما أعظمه من عيب؟!، كانت دائما تبني قصورا في الهواء، كانت كثيرة التطلع إلى الثراء الفاحش مما جلب لهل كثير من المتاعب، فذات يوم أبلغتها جدتها بأن اليوم ليس عليها الذهاب إلى السوق إذ قامت الجدة ببيع اللبن بثلاثة أضعاف ثمنه إلى أحد الأغنياء لاستخدامه في صنع حلويات حفل زفاف ابنته، وساعدت الجدة الفتاة في حمل وعاء اللبن ولكنه كان ثقيلا، وطلبت منها أن تأخذ حذرها الكافي خوفا من انسكاب اللبن منها وضياع فرصة ربح بعض الأموال، وأكثر شئ حذرتها منه جدتها هو ألا تبني قصورا في الهواء، ولكن كيف والفتاة مولعة بهذا الشئ، وبينما وهي سائرة على أقدامها بطريق يملؤها الحصى والشوك، كانت ترسم لها طريقا مليئا بالأحلام الزهرية، وبينما وهي تائهة في أحلامها الوردية تعثرت بإحدى الأحجار الصغيرة فسقط من فوق رأسها وعاء اللبن، ويا له من حجر صغير الذي تسبب بسقوط اللبن وسقوطها على الأرض لتذرف دموع الندم.