– مطر هيا يا ابنتي ستتأخرين عن موعد العمل..
تأففت وهي تستمع لنبرة أمها الساخطة وهي تحاول إيقاظها للمرة الخامسة فيما فقد فيها الأمل منبه هاتفها المحمول ذو الطراز الفرعوني – كما تسمِّيه – فكفّ عن الرنين! أبعدت غطائها الرقيق ذوالألوان الباهتة، ولكنه لا يزال يحتفظ برونقه، جانبا، وتمطت فاردة ذراعيها السمراوين واسعا، قبل أن تحك فروة رأسها بعدها.. ناثرة خصلات شعرها الخمري المجنون، فيما تثاءبت عاليا مظهرة صفين من الأسنان اللؤلؤية الصغيرة ونغزة عميقة بجانب زاوية فمها اليمنى المغطى بشفاه مكتنزة صغيرة تشبه في لونها الوردي.. حلوى السكر للأطفال..
اعتدلت تزيح الغطاء جانبا لتنزل ساقين مصقولتين باللون الأسمر تلمعان كسبيكة ذهبية، فقد حباها الله بشرة ناعمة كبتلات الورد، ثم استقمات واقفة تدس قدميها الصغيرتين في خفّ منزلي بلاستيكي عتيق أطلقت عليه لقب “شبشب الهنا”.. حيث يتسبب في سقوطها دائما فنعله أصبح أنعم من بشرة مولود صغير مما يجعلها تنزلق أثناء سيرها على الأسطح الناعمة ولا سيّما المطبخ والحمام، لتهمس وهي تتمطى للمرة الثانية:
– استعنّا على الشقاء بك يا الله…
وسارت بقامتها الضئيلة النحيفة خارجة من غرفتها البسيطة ملتقطة منشفتها وهي تتجه خارج غرفتها الى الحمام الوحيد بالشقة لتغتسل وتبدأ روتينها اليومي..
كانت تتناول بضعة لقيمات سريعة وهي تقف لتنظر اليها والدتها تنهرها ككل يوم:
– مطر.. اجلسي بنيتي وتناولي افطارك كباقي البشر الطبيعيين، فالأكل واقفا يجعل الطعام يسقط في قدميك!..
أجابت مطر وفمها مملوء بقضمة كبيرة من قرص الفلافل الساخنة فيما رفعت كوب الشاي تحتسي منه رشفة لتساعد في بلع الطعام:
– أُم مطر.. لن ينزل الطعام او يصعد اطمئني، ولكني إن استمعت إليك فأنا من سينزل من عمله!.. فالسيد نظمي أكره ما عليه التأخر في مواعيد العمل، وأنا لا أريد أن أكون أضحية الصباح لهذا اليوم…
ثم أنزلت كوب الشاي الذي احتست نصفه ومسحت فمها بمنديل ورقي قبل أن تتناول حقيبتها القماشية لترتديها بطريقة عكسية والتي تتماشى في لونها مع سروالها الجينز الداكن اللون وكنزتها الزرقاء بلون السماء وقد انتعلت حذاءًا رياضيا ووضعت عليها معطفها الصوفي ذو اللون البني الداكن، ثم مالت على أمها تقبلها فأسرعت الأخيرة برفع قلنسوة المعطف ذو الوبر الخفيف لتغطي رأس صغيرتها فالجو بارد بالخارج وفي مثل هذا الصباح الباكر يكون صقيعي، فضحكت مطر قائلة وهي تتجه لباب الخروج:
– لا تقلقي يا أم مطر، فالمطر… لن يؤذي مطر!!..
كانت قد أوشكت على الخروج حينما سمعت أمها تناديها قائلة كمن تذكر شيئا هاما:
– آه.. مطر، حاولي ألا تتأخري اليوم فعمك رياض سيعود من السفر الليلة ويأمل في رؤيتك لدى وصوله..
استدارت مطر هاتفة بمرح وإن أرسل اليها اسم عمها ذكرى لاسم آخر يقبع أمام اسمه، لا تجلب ذكراه لها سوى الدموع والأحزان، ولكنها نفضت هذا الخاطر من عقلها سريعا وهي ترسم ابتسامة واسعة فهي سعيدة بالفعل لعودة زوج والدتها الحنون والذي كان لها نعم الأب بعد والدها الذي فقدته وهي لا تزال ابنة ثلاث سنوات، ليرعاها هو منذ تزوج والدتها وهي بنت سبع سنوات حتى اللحظة.. هتفت مطر بسعادة:
– أحقا أمي؟..
أومأت أمها بالإيجاب فأردفت مطر:
– متى موعد قدومه أن شاء الله؟..
أخبرتها أمها فعلّقت مطر بحماس:
– جميل، سأكون قد عدت من العمل فعلى حد علمي لا يوجد اليوم عملا اضافي يستوجب تأخُّري كما أن صاحب العمل الموقّر مسافر منذ مدة ولن يعود قبل وقت طويل كما أسمع… إذن فستجديني قبل موعد وصوله لأرحب به قبلك!..
أجابتها أمها وهي تتقدم لتقف قبالتها أمام فسحة الباب:
– ان شاء الله حبيبتي.. اهتمي بنفسك..
مطر وهي تتجهز للانصراف:
– دعواتك يا أم مطر…
أمها بصوت متردد لفت نظر مطر:
– و آه مطر.. لن يكون عمك رياض وحده، بل سيرافقه خالد ابنه…
ترى هل خانتها أُذناها؟.. أذكرت أمها اسمه أم أنه خيّل اليها؟…
التفتت الى أمها بعينين مصدومتين لتقول أمها وقلبها يشفق على حال صغيرتها:
– حبيبتي عمك رياض أخبرني أنه قد أمره بأن يقطن في فندق، ولكنه أصر على القدوم معه الى هنا لـ.. – تلكأت أمها لثانية قبل أن تتابع – لرؤيتنا!!!
سكنت مطر للحظات أجابت بعدها بجمود تام:
– وما المانع أمي؟.. هو ابنه وأنت من ربيته منذ أن كان في الثالثة عشر من عمره، وأمر طبيعي أن يريد القدوم لرؤيتك والسلام عليك فأنت بمثابة والدته..
قالت أمّها بابتسامة مفتعلة فيما بداخلها تشفق على وحيدتها التي تحاول التماسك بينما هي تشعر بما يعتمل بداخلها من حزن و…. غضب:
– حسنا بنيتي… توكلي على الله واذهبي الى عملك، حتى لا تتأخري… صحبتك السلامة حبيبتي..
قبلة خفيفة لثمتها مطر على جبين والدتها قبل أن تختفي كالريح محاولة مغالبة دموعها فيما والدتها تتابعها بعينين تكسوهما غلالة رقيقة من الدموع بينما لسانها يهمس بداخلها:
– سامحك الله يا خالد، لن أستطيع الدعاء عليك فمهما كان أنت ابني وإن أنجبتك غيري، ولكنها ابنتي الوحيدة… فلن أقول سوى.. سامحك الله وعوّض ابنتي خيرا عنك!!..
يتبع….
جميع الحقوق محفوظة للمؤلفة مني لطفي
تحت رعاية مبادرة كلمات ليست ككلمات
الجروب الرسمي للمبادرة علي الفيس بوك : من هنا